كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

فدخول الكاف الأُولى على الثانية دليلٌ أنها اسمٌ، وأنّ المعنى: كمِثْلِ ما يؤثفين. جَمَعَ بين الكاف، و"مثل"، وإن كان معناهما واحدًا مبالغةً في التشبيه. وعُلم بدخول الأُولى على الثانية أنها ليست حرفًا؛ لأن حروف الجرّ لا تدخل إلَّا على الأسماء.
فإن قيل: فما تصنع بقوله [من الوافر]:
فلا واللهِ لا يُلفى لِما بي ... ولا لِلْمَا بهم أبَدًا دَواءُ (¬1)
فقد أدخل اللام على لام مثلِها، ومع هذا لم يقل أحدٌ: إِن اللام الثانية اسمٌ كما كانت مع الكاف؟ فالجواب أنه لم يثبت في موضع سوى هذا أنّ اللام اسمٌ، كما ثبت أن الكاف اسم. وإذا كان ذلك كذلك؛ فإحدى اللأمَيْن زائدة مؤكّدة، والقياسُ أن تكون الزائدة الثانية دون الأوُلى، لأن حكم الزائد أن لا يُبتدأ به، وليست الكاف كذلك، فإنه قد ثبت أنها اسمٌ في مواضع، منها قول الأعشى [من البسيط]:
1096 - هل تَنْتهون ولَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كالطعْن يَهْلِكُ فيه الزيْتُ والفُتُلُ
¬__________
= مصدرية، أمّا على اعتبار اسم موصول فجملة "يُؤثفين" الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ككما يُؤثَفَين" حيث يمكن أن تكون "الكاف" الثانية مؤكِّدة للأولى، قياسًا على اللامين في الشاهد الذي سبق، فلا يكون في البيت دليل على اسمية الكاف الثانية.
(¬1) تقدم بالرقم 964.
1096 - التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 113؛ والأشباه والنظائر 7/ 279؛ والجنى الداني ص 82؛ والحيوان 3/ 466؛ وخزانة الأدب 9/ 453، 454، 10/ 170؛ والدرر 4/ 159؛ وسرّ صناعة الإعراب 1/ 283؛ وشرح شواهد الإيضاح ص 234؛ ولسان العرب 14/ 272 (دنا)؛ والمقاصد النحوية 3/ 291؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 386؛ ورصف المباني ص 195؛ والمقتضب 4/ 141؛ وهمع الهوامع 2/ 31.
اللغة: الشطط: الجور والغلوّ. الفتل: ج الفتيلة، وهي خرقة السراج التي تشتعل.
المعنى: يقول: انتهوا أيّها القوم، ولن ينهاكم عمّا أنتم فيه من بغي كالطعن يغور في جراحه البالغة الزيت والفتل.
الإعراب: "هل تنتهون": الهمزة للاستفهام، "تنتهون": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير متّصل مبني في محلّ رفع فاعل. "ولن": الواو استئنافيّة، "لن": حرف نصب. "ينهى": فعل مضارع منصوب. "ذوي": مفعول به منصوب بالياء، وهو مضاف. "شطط": مضاف إليه مجرور. "كالطعن": الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل رفع فاعل "ينهى"، وهو مضاف، "الطعن": مضاف إليه مجرور. "يهلك": فعل مضارع مرفوع. "فيه": جار ومجرور متعلّقان بـ "يهلك". "الزيت": فاعل مرفوع. "والفتل": الواو: حرف عطف، "الفتل": معطوف على "الزيت" مرفوع.
وجملة "أتنتهون": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لن ينهى ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يهلك ... ": في محلّ جرّ نعت "الطعن".
والشاهد فيه قوله: "كالطعن" حيث وردت الكاف فاعلًا لـ "ينهى"، وهذا قليل.

الصفحة 504