كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

وبعد الموصول, لأن الصلة لا تكون إلا جملة. وما كان مظنة للمفرد وقعت فيه المفتوحة نحو مكان الفاعل، والمجرور، وما بعد "لولا"؛ لأن المفرد ملتزم فيه في الاستعمال، وما بعد "لو"؛ لأن تقدير "لو أنك منطلق لانطلقت": "لو وقع أنك منطلقٌ", أي: لو وقع انطلاقك، وكذلك "ظننت أنك ذاهبٌ" على حذف ثاني المفعولين, والأصل: ظننت ذهابك حاصلاً.
* * *
قال الشارح: لما كان معنى "إنَّ" المكسورة مخالِفًا لمعنَى "أنَّ" المفتوحة، إذ كانت المفتوحة تؤدّي معنى الاسم، والمكسورة لا تؤدّي ذلك، وكانت عواملُ الأسماء تعمل في موضع المفتوحة، إذ كانت في تأويل الاسم، ولا تعمل في موضع المكسورة, لأنها في تأويل الجملة، وكان الخَطَأُ يكثر في وقوع كلّ واحد منهما موضع الآخر؛ لم يكن بدٌّ من ضابط يُميِّز موضعَ كلّ واحد منهما، فقال: ما كان مظنّة للجملة وقعتْ فيه المكسورة. وذلك بأن يتعاقب في الموضع الابتداءُ والفعلُ، فإن وقعت في موضع لا يكون فيه إلَّا أحدُهما؛ كانت المفتوحة، ولم يجز أن تقع فيه المكسورة؛ لأن المكسورة لا يعمل فيها عاملٌ، ولا تكون إلَّا مبتدأة. ومتى تَعاقب على الموضع الاسمُ والفعلُ؛ لم يكن معمولًا لعاملٍ, لأن العامل ينبغي أن يكون له اختصاصٌ بالمعمول. فإذا اختصّ المكانُ بأحد القبيلَيْن؛ كان مبنيًا على ما قبله، وكان معمولًا له، أو في حكم المعمول، فلذلك يجب أن تكون المفتوحة؛ لأنها معمولةٌ لما قبلها، إذ كانت في حكم المصدر.
فإذا وقعت "أنَّ" بعد "لولا"؛ كانت المفتوحة من نحو قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬1). وذلك أن الموضع، وإن كان جملة من حيث كان مبتدأ وخبرًا، فإن الخبر، لمّا لم يظهر عند سيبويه، صار كأنّ الموضع للمفرد من جهة اللفظ والاستعمال، وإن كان في الحكم والتقدير جملةً, لأنّ "أنَّ" واسمها وخبرها اسم مبتدأٌ، والخبر محذوفٌ، كما كان الاسم بعد "لَوْلا" من نحوِ: "لولا زيدٌ لأتيتُك"، والمراد: لولا زيدٌ عندك أو نحوُ ذلك لأتيتُك؛ وأمّا على مذهبِ من يرى أنه مرفوعٌ بتقدير فعلٍ، فالأمرُ ظاهرٌ من حيث كان مفردًا معمولًا.
وأما إذا وقعت بعد "لَوْ"، فتكون مفتوحة أيضًا، نحوَ قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (¬2)، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} (¬3)، فعلى مذهب أبي العبّاس محمّد بن يزيد، فإنها فاعلةٌ في موضعٍ مرفوع بفعل محذوف. فإذا قال: "لو أنّ زيدًا جاء لأكرمتُه"، فتقديره: "لو وقع مجيءُ زيد، لأكرمتُه". وهو رأي صاحب هذا الكتاب, لأن الموضع
¬__________
(¬1) الصافات: 143.
(¬2) البقرة: 103.
(¬3) الحجرات: 5.

الصفحة 528