كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

عَزْمِ الْأُمُورِ} (¬1)، وقوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (¬2). وكان القياس أن تقدّم اللام، فتقول "لإنَّ زيدًا قائمٌ" في "إنَّ زيدًا لَقائمٌ". وإنّما كرهوا الجمع بينهما؛ لأنّهما بمعنى واحد، وهو التأكيد، وهم يكرهون الجمع بين حرفَيْن بمعنى واحد. وذلك أن هذه الحروف إنَّما أُتي بها نائبةً عن الأفعال اختصارًا، والجمعُ بين حرفَيْن بمعنى واحد يُناقِض هذا الغرضَ. وإنما وجب اللام أن تكون متقدّمة على "إنَّ"، ومجراهما في التأكيد واحدٌ، لأمرَيْن: أحدهما أنّ "إنَّ" عاملةٌ وحقُّ العامل أن يليه معمولَه، واللامُ ليست عاملة. والثاني أنّ العرب قد نطقت بها نُطْقًا، وذلك مع إبدال الهمزة هاءً في نحو قولك: "لَهِنَّك قائمٌ"، إنما أصلُه: "لإِنّك قائم"، لكنّهم أبدلوا الهمزة هاءً كما أبدلوها في نحو: "هَرَقْتُ الماءَ"، و"هَنَرْتُ الثوْبَ". فلمّا زال لفظُ الهمزة، دخلت مكانها الهاءُ، وبتغيُّر لفظِ "إنَّ"، صارت كأنّها حرف آخر، فسهل الجمعُ بينهما. قال [من الطويل]:
1106 - ألا يا سَنَا بَرْقٍ على قُلِلِ الحِمى ... لَهِنَّكَ مِن بَرْقٍ عَلَيَّ كَرِيمُ
¬__________
(¬1) الشورى: 43.
(¬2) البقرة: 221.
1106 - التخريج: البيت لمحمد بن سلمة في لسان العرب 13/ 393 (لهن)، 15/ 173 (قذى)؛ ولرجل من بني نمير في خزانة الأدب 10/ 338، 339، 351؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 144؛ وأمالي الزّجاجي ص 250؛ والجنى الداني ص 129؛ وجواهر الأدب ص 83، 333؛ والخصائص 1/ 315، 2/ 195؛ والدرر 2/ 191؛ وديوان المعاني 2/ 192؛ ورصف المباني ص 44، 121، 233؛ وسرّ صناعة الإعراب 1/ 371، 2/ 552؛ وشرح شواهد المغني 2/ 602؛ ولسان العرب 13/ 31 (أنن)؛ ومجالس ثعلب 1/ 113، 2/ 413؛ والمقرب 1/ 107؛ والممتع في التصريف 1/ 398؛ وهمع الهوامع 1/ 141.
اللغة: السنى والسنا: البريق. القلل: جمع قلة وهي أعلى الشيء. لهنّك: لإنّك.
المعنى: يا ضوء البرق الذي تلمع على مرتفعات القبيلة، إنّك عزيز عليّ، وكريم وذو مكانة لديّ.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "يا سنا": "يالا": حرف نداء، "سنا": منادى مضاف منصوب بفتحة مقدّرة على الألف. "برق": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "على قلل": جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ "برق". "الحمى: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. "لهنك": اللام: للابتداء، "هنّ": حرف مشبّه بالفعل، أبدلت همزته هاء، والكاف: ضمير متصل في محلّ نصب اسم "إن". "من برق": جار ومجرور متعلّقان بحال من الكاف في "هنك". "علي": جار ومجرور متعلّقان بالخبر "كريم". "كريم": خبر "إنك" مرفوع.
جملة "ألا يا سنا": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لهنك كريم": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "لهنك عليّ" حيث جمع بين حرفين للتوكيد: اللام، و"إن" لتغيّر اللفظ بإبدال الهمزة هاءً. وكذلك حذف "اللام" من خبر "لهنّك"، فلم يقل: لعليّ كريم، والأكثر إثباتها.

الصفحة 533