كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

غَضَبُ الله عليها، ولا يجوز أن تكون "أنّ" بمعنَى "أيْ" كالّتي في قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} (¬1). قال سيبويه (¬2): لأنّها لا تأتي إلَّا بعد كلام تامّ، وليس الخامسة وحدها بكلام تامّ، فتكونَ بمعنى "أيْ".
فأمّا إذا وليها فعلٌ؛ أُتي بالعوض، كأنّهم استقبحوا أن تلي "أنَّ" المخفّفةُ الفعلَ إذا حُذفت الهاء، وأنت تريدها، كأنّهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذفَ، وأن يليه ما لم يكن يليه، وهو مُثقَّلٌ، فأتوا بشيء يكون عوضًا من الاسم، نحوِ: "لا"، وقَدْ"، والسين، و"سَوْفَ"، نحوَ قولك: "قد عرفت أنْ لا يقومُ زيدٌ، وأنْ سيقومُ زيدٌ، وأنْ قد قام زيدٌ". ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (¬3)، وقوله: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (¬4). فمنهم من يجعل هذه الأشياء عوضًا من الاسم، ومنهم من يجعلها عوضًا عن توهينها بالحذف، وإيلائها ما لم يكن يليها من الأفعال قبلُ.
والآيات التي أوردها شواهدُ على الأحكام التي ذكرها. فأمّا قوله تعالى في يس: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (¬5) فـ "كلٌّ" رفع بالابتداء، لا أعلمُ في ذلك خلافًا؛ وأمّا التي في سورة هُود، فقد قُرىء {وَإِنْ كُلٌّ} (¬6) بالرفع، {وَإِنَّ كُلًّا} بالنصب. وقد تقدّم الكلام عليها. وقد قرئ: "لَمَّا" بالتشديد (¬7)، ويحتمل أن تكون "لمَّا" بمعنى "إلَّا" للاستثناء، نحوَ قولهم: "عزمتُ عليك لمّا ضربتَ كاتبَك"، يريد: إلَّا ضربتَ كاتبَك. و"إن"، نافية، والتقدير: وما كلّ إلَّا لَيُوَفُيَنَّهُمْ. ويجوز أن تكون "إنَّ" المخفّفة من الثقيلة، و"لَمَّا" بمعنى "إلَّا"، وهي زائدة؛ لأنّ "إلَّا" تُستعمل زائدةً، نحوَ قول الشاعر [من الطويل]:
1114 - أرَى الدَّهْرَ إلَّا مَنْجَنُونًا بأهْلِه ... وما صاحبُ الحاجات إلَّا معذَّبَا
¬__________
(¬1) ص:6.
(¬2) الكتاب 3/ 163، وفيه: "لأنّ "أي" إنّما تجيء بعد كلام مستَغْنٍ".
(¬3) المزمل: 20.
(¬4) طه: 89.
(¬5) يس: 32.
(¬6) هود: 111.
(¬7) في النصّ المصحفي: {وإنَّ كُلآ لمّا}. وقرأ عاصم والحسن وشعبة: {وإنْ كلآ لمّا}.
انظر: البحر المحيط 5/ 266؛ وتفسير الطبري 12/ 74؛ والنشر في القراءات العشر 2/ 291؛ ومعجم القراءات القرآنية 3/ 136، 137.
1114 - التخريج: البيت لأحد بني سعد في شرح شواهد المغني ص 219؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص 271؛ والجنى الداني ص 325؛ وخزانة الأدب 4/ 130، 9/ 249، 350؛ والدرر 2/ 98، 3/ 171؛ ورصف المباني ص 311؛ وشرح الأشموني 1/ 121؛ وشرح التصريح 1/ 197؛ ومغني اللبيب ص 73؛ والمقاصد النحوية 2/ 92؛ وهمع الهوامع 1/ 123، 230.
اللغة: المنجنون: الدولاب الذي يستقى عليه، وهو مؤنث. =

الصفحة 551