كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

وهو قليل شاذّ. وأما قوله [من الكامل]:
بالله ربّك إنَّ قتلت (¬1) ... إلخ
فأنشده الكوفيون شاهدًا على إيلاء "إن" المكسورة فعلًا من غير الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر، وقد أنشده ابن جِنّي في سِرّ الصناعة [من الكامل]:
شلَّتْ يمينُك إنْ قتلتَ لَمُسْلِمًا (¬2)
ومثله ما حُكي عن بعض العرب: "إنْ تَزِينُكَ لَنَفْسُكَ، وإنْ تَشينُك لَهِيَهْ". والبيت شاذ نادرٌ وهو من أبيات لعاتِكَةَ وقبله:
يا عمرُو لو نَبَّهْتَه لَوجدتَه ... لا طائشًا رَعِشَ الجَنانِ ولا اليَدِ
وكذلك الحكاية. وقال الفرّاء: هو كالنادر؛ لأن العرب لا تكاد تستعمل مثلَ هذا إلَّا مع فعل ماض، وذلك أنّ "إن" المخفّفة لمّا تُشاكِل التي للجزاء، استوحشوا أن يأتوا بها مع المضارع ولا يُعْمِلوها فيه، فأتوا بها جمع لفظ الماضي؛ لأنها لا عَمَلَ لها فيه، فلذلك كانت هنا كالنادر، ثمّ أعْلَمَك أنّ "أنْ"، إذا وليها الاسم وأُلغيت عن العمل ظاهرًا، لا يأتون بعوضٍ، نحوَ: "علمت أنْ زيدٌ قائمٌ"، والتقدير: أنّه زيدٌ قائمٌ. ومنه قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3)، أي: أنَّهُ، فـ "أنْ" وما بعدها في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو "آخِرُ دعواهم"، فلا تكون "أنْ" ههنا بمعنَى "أيْ" للعبارة؛ لأنه يبقى المبتدأ بلا خبر. ونحوُه قوله:
في فتية كسيوف الهند (¬4) ... إلخ
فأمّا إذا وليها الفعل، فلا بدّ من العوض على ما ذكرنا، نحوِ: "علمت أنْ لا يخرجُ زيدٌ، وأنْ قد خَرَجَ". قال أبو صَخْر الهُذَليّ [من الكامل]:
1116 - فتَعَلَّمِي أنْ قد كَلِفْتُ بِكُمْ ... ثُمَّ افْعَلِي ماشئتِ عن عِلْمِ
¬__________
= جملة "تكون الثمالا": في محل رفع خبر "أن".
والشاهد فيه: أن إعمال "أنْ" المخففة في الضمير البارز شاذّ، ومن الشذوذ أيضًا كون الضمير غير ضمير الشأن.
(¬1) تقدم منذ قليل.
(¬2) سرّ صناعة الإعراب 2/ 548, 550
(¬3) يونس:10.
(¬4) تقدم بالرقم 1113.
1116 - التخريج: البيت لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 975؛ والإنصاف 1/ 205.
اللغة: تعلّمي: تيقّني. كلفت: اشتدّ غرامي.
المعنى: اعلمي عن يقين تام أن غرامي لكم قد اشتدّ تمكّنًا في قلبي، ثم افعلي بعد ذلك ما شئت، وأنت تدركين ما تفعلينه. =

الصفحة 553