كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

أجودُهما إبطال عملها ظاهرًا، وذلك لنقص لفظها بالتخفيف، فتقول: "كأن زيدٌ أسدٌ"، والمراد: كأنّه زيدٌ أسدٌ، أي: الشأن والحديث. وقوله: يبطل عملها، يريد: ظاهرًا، فأمّا قوله [من الهزج]:
ونحر مشرق اللون ... إلخ
فالشاهد فيه رفعُ "ثدياه"، و"ثدياه" رفيع بالابتداء، و"حقّان" الخبر، والجملة خبرُ "كَأنْ"، والضمير في "ثدياه" يعود إلى "النحر" أو"الوجهِ"، والمراد به صاحبُه. ويجوز إعماله، فيقال: "كأنْ ثَدْيَيْه". وقد روي كذلك. قال الخليل (¬1): وهذا يُشْبه قولَ الفرزدق [من الطويل]:
فلو كنتَ ضَبّيًا عرفتَ قَرابَتي ... ولكِنّ زَنْجِيٌّ عَظيمُ المَشافِرِ (¬2)
والمراد: ولكنّه زنجىٌّ لا يعرف قرابتي. قال (¬3): والنصب في هذا كلّه أكثرُ. قال السيرافيّ: مَن نصب جعله الاسمَ وأضمر الخبر، كأنه قال: ولكنّ زنجيَّا. ومَن رفع أضمر الاسم، وكان الظاهر الخبرَ، تقديره: ولكنّك زنجىٌّ، وأما قوله، أنشده سيبويه [من الرجز]:
كأنْ وريديه رشاءا خلب
البيت، فالشاهد فيه نصب "وريديه" على إِعمالها مخفّفةً. والوَرِيدان: حَبْلا العنق من مُقدّمه، والرشاءُ: الحبل. والخُلْب: اللّيف. وأمّا قول الآخر - وهو ابن صريم اليَشْكُريّ -[من الطويل]:
ويومًا تُوافِينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ ... كأنْ ظَبْيَةٌ تَعْطو إلى وارِقِ السَّلَمْ
فيروى على ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجرّ. فمَن رفع، فعلى الخبر، واسمُها محذوف مقدّر، والمعنى: كأنّها ظبيةٌ تعطو. ومن نصب، فعلى أنه اسمها، والخبر محذوف منويّ، كأنّه قال: كأن ظبيةً هذه المرأةُ، فهذه المرأة الخبرُ. وأمّا الجرّ، فعلى إعمال حرف الجرّ، وهو الكاف، و"أنْ" مزيدةٌ، والمعنى: كظبيةٍ. وصف امرأةً حسنةَ الوجه، فشبّهها بظبيةِ مُخْضِبَةٍ. والعاطيةُ: التي تَتناول أطرافَ الشجر مُرْتَعِيَةً. والوارق: المُورِق، يُقال: ورقت الشجرةُ وأورقت، وأورقت أكثرُ. ويجوز أن يكون المراد وارق الشجر من الخُضْرة والنَّضْرة من الورَاق وهي الأرض الخَضِرة المُخْصِبة، فليس من لفظ الوَرَق، فاعرفه.
¬__________
(¬1) الكتاب 2/ 134.
(¬2) تقدم بالرقم 1122.
(¬3) أي: الخليل. انظر الكتاب 2/ 136.

الصفحة 567