كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

في روايةِ من خفض، جعل الليلة مزؤودة من حيث كان الزُّؤْد فيها، فإذا قال: "دَعْهُ إلى ميسوره ومعسوره"؛ فكأنه قال: "إلى زمان يُوسَر فيه، ويُعْسَر فيه"، وجعل المرفوع والموضوع ما ترفعه وما تضعه، وجعل المعقول من "عَقَلْتُ الشيء" أي: حبسته وشددته كأنّه عقل له لُبَّه، وشَدَّ، وقيل في قوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}: إن الباء زائدة على حدّ زيادتها في {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (¬1) في أصحْ القولين، والمراد: فَسَتُبْصِرُ ويبصرونَ أيَّكم المفتون، واستغني بهذه المفعولات عن الفعل الذي يكون مصدرًا، لأن فيها دليلاً على الفعل، وقيل: المراد بالمفتون الجِنّيّ, لأن الجنّي مفتون، وذلك أن الكُفار قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مجنون، وأن به جنّيًا، فقال سبحانه: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (¬2) يعني الجِنّي.
ومن ذلك "المكروهة"، و"المصدوقة"، و"المأويّة" على التفسير المتقدّم.
فأمّا "المُصْبَح"، و"المُمْسَى" ونحوهما، فمصادرُ غيرُ ذي شكّ، وذلك أن المصدر إذا كان لفعل زائد على الثلاثة، كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعولٌ، تقول: "أدخلته مُدخَلًا"، و"أخرجته مُخرَجًا" كما قال تعالى: {أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} (¬3)، وقال اللهُ: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (¬4)، والمفعول به "مُدْخَل"، و"مُخْرَجٌ". وكذلك لو بنيت من الفعل اسمًا للمكان والزمان، كان كلّ واحد منهما على مثال المفعول، لأن الزمان والمكان مفعولٌ فيهما، والفعلُ يعمل فيها كلّها عملًا واحدًا، فلمّا اشتركت في وصول الفعل إليها ونَصْبِها، اشتركت في اللفظ، فقالوا في المكان والزمان: "مُمْسى"، و"مُصْبَحٌ"، وكذلك إذا أرادوا المصدر.
¬__________
= للمرزوقى ص 87، ولسان العرب 11/ 176 (حمل)؛ وله أو لابن جمرة في شرح شواهد المغنى 1/ 226، 2/ 964؛ ولسان العرب 11/ 267 (شمل).
اللغة: مزؤودة: مذعورة، خائفة. النطاق: شقة تلبسها المرأة فتشد وسطها.
المعنى: إن الشاعر يقول: إنه ممن حملته أمه وهي مذعورة غير مستعدة للفراش، فنشأ محمودًا مرضيًا، وقد كانت العرب تستحسن إتيان المرأة وهي مذعورة لياتى الولد نجيبًا.
الإعراب: "حملت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل: مستتر تقديره هى. "به": جار ومجرور متعلقان بالفعل حملت. "فى ليلة": جار ومجرور متعلقان بالفعل حملت. "مزؤودة": صفة ليلة مجرورة منها. "كرهًا": حال منصوب. "وعقد": الواو: واو الحال، "عقد": مبتدأ مرفوع. "نطاقها": مضاف إليه مجرور، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "لم": حرف جازم. "يحلل": فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، وحرّك بالكسر للضرورة، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازًا تقديره هو"نطاقها".
وجملة "حملت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لم يحلل": في محل رفع خبر المبتدأ، عقد. وجملة "عقد .. لم يحلل": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "ليلة مزؤودة" حيث جاءت مفعولة بمعنى المفعول فيها، أي حيث الزُّؤد فيها.
(¬1) المؤمنون: 20.
(¬2) القلم: 5 - 6.
(¬3) المؤمنون: 29.
(¬4) هود: 41.

الصفحة 64