كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

وإنّما عَطَف "الركوب" بالفاء دون الواو، ليؤْذِن بأن ذلك متَّصل لا ينقطع، كما يُقال: "مُطِرْنا ما بين زُبالَةَ فالثَّعْلَبِيةِ"، إذا أردت أن المطر انتظم الأماكنَ التي بين هاتَيْن القريتَين، يقروها شيئًا فشيئا بلا فُرْجة، ولو قلت: "مطرنا ما بين زبالة والثعلبيّة"، فإنَّما أفدت بهذا القول أن المطر وقع بينهما، ولم ترد أنه اتّصل في هذه الأماكن من أوّلها إلى آخرها. وأمّا قول الراجز:
إنْ المُوَقَّى مِثْلُ ما وُقِّيتُ (¬1)
فهو لرُؤْبَةَ بن العجّاج، وقبله:
يَارَبّ إنْ أخطَأت أو نَسِيتُ ... فأنْتَ لا تَنْسَى ولا تَمُوتُ
الشاهد فيه استعمال "الموَقَّى" بمعنى "التوْقِيَة"، أي: أن التوقية مثلُ تَوْقِيَتِي، وكان قد وقع في أيدِي الحَرُورية، وأمّا قول الآخر [من الطويل]:
أُقاتِلُ حتى لا أرَى لي مُقاتَلًا
فإنّ هذا المِصْراع قد استعمله شاعران أحدهما مالك بن أبي كَعب، وتمامه:
وأنْجُو إذا حُمَّ الجَبانُ من الكَرْبِ (¬2)
والشاهد فيه استعمال "مُقاتَل" بمعنى القِتال، أي: حتى لا تبقى لي قُدْرةٌ على القتال، وأنجو عند الغَلَبَة بالفِرار إذا هلك الجبان، وأُحِيطَ به لعَجْزه عن الدفع والنَّجاة، والآخر زيد الخَيْلِ، وتمامه [من الطويل]:
وأنْجُو إذا لم يَنْجُ إلَّا المُكَيَّسُ
أي: الكَيِّس العاقل؛ لأنَّه يعرِف وجه التخلص، وأما قوله [من الرجز]:
كأنّ صَوْت الصَّنْجِ في مُصَلصَلِهْ (¬3)
¬__________
= شُزب: ضوامِر.
الإعراب: "بسواهم": جار ومجرور متعلقان بالفعل "ملأ" في البيت السابق، وصرف الشاعرُ "سواهم" للضرورة الشعرية. "لحق": نعت مجرور بالكسرة، وهو مضاف. "الأياطل": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "شزب": نعت ثان مجرور بالكسرة الظاهرة. "فعليقها": الفاء حرف استئناف، و"عليق": مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "الإسراجُ": خبر مرفوع بالضمة. "والالجامُ": حرف عطف واسم معطوف مرفوع بالضمة.
وجملة "فعليقها الإسراجُ والإلجام" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
وليس في البيت شاهد نحوي، ولكنه أتى به توكيدًا على كثرة سفر الرواحل.
(¬1) تقدم بالرقم 880.
(¬2) تقدم بالرقم 881.
(¬3) تقدم بالرقم 882.

الصفحة 66