كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

كان حكم عشرة حكم تسعة، لانّها تليها. ألا ترى أنّك تقول: "عشرة دراهمَ"، كما تقول: "تسعة دراهمَ"، فتضيف "العشرة" كما تضيف "التسعة" كذلك ينبغي في "المائة" أن يكون حكمها حكم "التسعين"، لأنّها تليها؛ إلَّا أنّه لما أخذ شَبَهًا من شيئَيْن، أُعْطِيَ حكمًا يتجاذبانه، فأضيف بحكم شبه "العشرة"، وفُسّر بالواحد بحكم شبه "التسعين"، فاجتمع فيه ما افترق في "العشرة" و"التسعين"، وهو أحسنُ ما يكونُ من التفريع على الأصول، ليُشْعَر الفرعُ بمعنى الأصل في البناءين جميعًا.
فإن ثنّيت "المائة"، أضفت كإضافة "المائة"، فتقول: "مائتَا درهمٍ"، و"مائتا ثوبٍ"، فتحذف النون للإضافة إلى مميَّزها, لأنّ النون فيه عوضٌ من الحركة والتنوين اللذيْن كانا في الواحد، فحُذفت للإضافة كحذفها في "ضاربي زيدٍ"، بخلاف النون في نحو "عشرين" و"ثلاثين", لأنه ليس لها تمكّنُ هذه، لأنّها ليست عوضًا من الحركة والتنوين على الحقيقة، لأنّها أسماءٌ جارية على منهاج المجموع، وليست بجموع على الحقيقة، وقد تقدّم نحو ذلك.
وكذلك "الألْفُ" يضاف إلى الواحد، فيقال: "ألفُ درهمٍ"، كما يقال: "مائة درهم". والعلّةُ في ذلك كالعلّة في "المائة"، وذلك لانّ "الألف" على غير قياسِ ما قبله، لأنّك لا تقول: "عشرُ مائة" كما قلت: "تسع مائةٍ"، بل تأتي بلفظ آخر مرتجَلٍ يدل على العقد، كما فعلت في "المائة" لمّا وضعتَ بعد التسعين لفظًا غيرَ مأخوذ ممّا قبله، وهو "المائة".
و"الألفُ" مذكّرٌ يدل على ذلك قوله تعالى: {بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} (¬1)، فإثباتُ التاء في العدد يدل على تذكيرها، كما قلت: "ثلاثة غِلْمانٍ".
وأمّا ما يفسّر بنكرةٍ منصوبة، فبعدَ المركّبات، وذلك من "أحد عشر" إلى "تسعة عشر" وبعد "العشرين" إلى "التسعين"، نحو قولك: "عندي أحدَ عشرَ درهمًا، واثنَا عشرَ دينارًا، وعشرون عبدًا، وثلاثون جاريةً"، ونحو ذلك.
فأما نصبُ الاسم بعد "أحد عشر"، و"خمسة عشر" إلى "تسعة عشر"؛ فلأنّه عددٌ فيه نيّةُ التنوين، إلَّا أنّه مبنيٌّ، فكان بناؤه مانعًا من ظهور التنوين، كمَنْع ما لا ينصرف، نحو قولك: "هؤلاء حَواجُّ بيتَ الله، وضواربُ زيدًا". فلمّا كان في نيّة منوَّن؛ امتنعت لذلك إضافتُه، ووجب نصبُ مميِّزه.
فإن قيل: فهلا حُذف التنوين منه، وأضيف إلى ما بعده، نحو قولك: "هذا حضرموتُ زيدٍ، وبعلبك الأميرِ"، فالجواب أنّ إضافة "حضرموت" ونظائره ليست لازمة،
¬__________
(¬1) آل عمران: 124.

الصفحة 8