كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

فَتُعْطَفُ إلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ فَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ اُحْتِيجَ إلَى تَحَمُّلٍ جَدِيدٍ. .

(وَصَحَّ أَدَاءٌ كَامِلٍ تَحَمَّلَ) حَالَةَ كَوْنِهِ (نَاقِصًا) كَفَاسِقٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ تَحَمَّلَ ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ كَمَالِهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْأَصْلِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ (وَيَكْفِي فَرْعَانِ لِأَصْلَيْنِ) أَيْ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَرْعَانِ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى مُقِرَّيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ لِهَذَا وَوَاحِدٌ لِلْآخَرِ (وَشَرْطُ قَبُولِهَا) أَيْ: شَهَادَةِ الْفَرْعِ (مَوْتُ أَصْلٍ أَوْ عُذْرُهُ بِعُذْرِ جُمُعَةٍ) كَمَرَضٍ يَشُقُّ بِهِ حُضُورُهُ وَعَمًى وَجُنُونٍ وَخَوْفٍ مِنْ غَرِيمٍ فَتَعْبِيرِي بِعُذْرِ الْجُمُعَةِ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ نَعَمْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ الْإِغْمَاءَ حَضَرًا فَيُنْتَظَرُ لِقُرْبِ زَوَالِهِ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ بَلْ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (أَوْ غَيْبَتِهِ فَوْقَ) مَسَافَةِ (عَدْوَى) بِزِيَادَتِي فَوْقَ فَلَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا إنَّمَا قُبِلَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ حِينَئِذٍ (وَأَنْ يُسَمِّيَهُ فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدْلًا لِتُعْرَفَ عَدَالَتُهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يَعْرِفُ جَرْحَهُ لَوْ سَمَّاهُ وَلِأَنَّهُ يَنْسَدُّ بَابُ الْجَرْحِ عَلَى الْخَصْمِ (وَلَهُ) أَيْ: لِلْفَرْعِ (تَزْكِيَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي وَاقِعَةٍ وَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ مِنْ تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِ وَلِذَلِكَ شَرَطَهَا بَعْضُهُمْ وَفِي تِلْكَ قَامَ الشَّاهِدُ الْمُزَكَّى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَزْكِيَةُ الْأَصْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَلْ لَهُ إطْلَاقُهَا وَالْحَاكِمُ يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي شَهَادَتِهِ لِصِدْقِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدٍ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ. .

(فَصْلٌ) فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ.
لَوْ (رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ) الْحُكْمُ بِهَا وَإِنْ أَعَادُوهَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَصَدَقُوا فِي الْأَوَّلِ أَوْ فِي الثَّانِي فَلَا يَبْقَى ظَنُّ الصِّدْقِ فِيهَا (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ: الْحُكْمِ (لَمْ يُنْقَضْ وَ) لَكِنْ (لَا تُسْتَوْفَى عُقُوبَةٌ) ، وَلَوْ لِآدَمِيٍّ كَزِنًا وَشُرْبٍ وَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمْ يَعْتَدِي وَلَا يَتَعَدَّى ع ش يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ تَكَرُّرِهَا؛ لِأَنَّ عَادَةَ اللَّهِ جَرَتْ أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ عَلَى شَخْصٍ مَعْصِيَةً لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سَبَقَتْ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ خِفْيَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سِتِّيرٌ فَيَسْتُرُ أَوَّلًا وَثَانِيًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْضَبُ فَيُظْهِرُهَا لَهُ لِيَنْتَقِمَ مِنْ الْفَاعِلِ بِسَبَبِهَا شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَتَنْعَطِفُ) الِانْعِطَافُ هُوَ السَّرَيَانُ مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ لِلْمَاضِي، وَالِاسْتِصْحَابُ عَكْسُهُ فَإِنْ كَانَ التَّحَمُّلُ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ حَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا يُؤَدِّي إلَى الْعَدَاوَةِ فِي رَبِيعٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ حُصُولَ الْعَدَاوَةِ مِنْ الْأَصْلِ فِي رَبِيعٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ عَدَاوَةٌ سَابِقَةٌ وَيُصَدَّقُ ذَلِكَ بِحَالَةِ التَّحَمُّلِ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي الْفِسْقِ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَى تَحَمُّلٍ جَدِيدٍ) أَيْ: بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ لِتَحَقُّقِ زَوَالِهَا ع ش عَلَى م ر. .

(قَوْلُهُ كَالْأَصْلِ) أَيْ: إذَا تَحَمَّلَ نَاقِصًا وَأَدَّى بَعْدَ كَمَالِهِ شَرْحُ م ر وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَصْلًا أَنَّهُ لَيْسَ فَرْعًا عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) بِأَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا وَعَمْرًا شَهِدَا بِكَذَا وَأَشْهَدُ أَنَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: بِعُذْرِ جُمُعَةٍ) لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ ثَمَّ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ لِلتَّحْذِيرِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى شَوْبَرِيٌّ قَالَ م ر وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ بِالْأَصْلِ كَالْمَرَضِ وَالْعَامَّةِ لَهُ وَالْفَرْعُ كَالْمَطَرِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخَانِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ بِالْأَصْلِ فَإِنْ عَمَّتْ الْفَرْعَ أَيْضًا كَالْمَطَرِ وَالْوَحَلِ لَمْ تُقْبَلْ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافُهُ فَقَدْ يَتَحَمَّلُ الْفَرْعُ الْمَشَقَّةَ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ دُونَ الْأَصْلِ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ س ل وَمِنْ الْأَعْذَارِ فِي الْجُمُعَةِ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ عُذْرٌ هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ هُنَا زَوَالَهُ؛ لِأَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ. (قَوْلُهُ: حَضَرًا) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا عُذْرٌ لَا الْإِغْمَاءُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْبَتِهِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْمُزَكِّينَ كَمَا سَلَف عَلَى مَا فِيهِ عَمِيرَةُ سم، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَرَّ فِي التَّزْكِيَةِ قَبُولُ شَهَادَةِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ بِهَا عَنْ آخَرِينَ فِي الْبَلَدِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي الْبَلَدِ لِمَزِيدِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُسَمِّيَهُ فَرْعٌ) الْمُرَادُ تَسْمِيَةٌ تَحْصُلُ بِهَا الْمَعْرِفَةُ م ر (قَوْلُهُ يَنْسَدُّ بَابُ الْجَرْحِ) أَيْ: لَوْ لَمْ يُسَمِّهِ. (قَوْلُهُ: وَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) أَيْ: فَلَا يُقْبَلُ. (قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ) أَيْ: بِقَوْلِهِ وَلَهُ تَزْكِيَتُهُ (قَوْلُهُ: عَنْ عَدَالَتِهِ) أَيْ: الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْ سُكُوتِ الْمَتْنِ عَلَيْهِ. .

[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]
(قَوْلُهُ امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِهَا) وَيُفَسَّقُونَ وَيُعَزَّرُونَ إنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ إنْ كَانَتْ بِزِنًا، وَإِنْ ادَّعَوْا الْغَلَطَ وَسَوَاءٌ صَرَّحَ الشَّاهِدُ بِالرُّجُوعِ أَمْ قَالَ شَهَادَتِي بَاطِلَةٌ أَمْ لَا شَهَادَةَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَمْ هِيَ مَنْقُوضَةٌ أَمْ مَفْسُوخَةٌ وَفِي أَبْطَلْتُهَا أَوْ فَسَخْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ وَلَوْ قَالَ لِلْحَاكِمِ: تَوَقَّفْ عَنْ الْحُكْمِ وَجَبَ تَوَقُّفُهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ اقْضِ قَضَى لِعَدَمِ تَحَقُّقِ رُجُوعِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ عَامِّيًّا وَجَبَ سُؤَالُهُ عَنْ سَبَبِ تَوَقُّفِهِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي) عِبَارَةُ م ر لِزَوَالِ سَبَبِهِ وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ: الرُّجُوعِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَضْ) اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ بِلَا سَبَبٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ سم، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر لَمْ يُنْقَضْ لِتَأَكُّدِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ كَذِبِهِمْ فِي الرُّجُوعِ فَقَطْ.

الصفحة 390