كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَإِنْ لَمْ يُورِ)
لِإِطْلَاقِ خَبَرِ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ: إكْرَاهٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالتَّوْرِيَةُ كَأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ، أَوْ يَنْوِيَ بِالطَّلَاقِ حَلَّ الْوَثَاقِ أَوْ بِطَلَّقْتُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا (وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ مُكْرِهٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى) تَحْقِيقِ (مَا هَدَّدَ بِهِ) بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ (عَاجِلًا ظُلْمًا وَعَجْزُ مُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (عَنْ دَفْعِهِ) بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ (وَظَنَّهُ) أَنَّهُ (إنْ امْتَنَعَ) مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ (حَقَّقَهُ) أَيْ: مَا هَدَّدَ بِهِ (وَيَحْصُلُ) الْإِكْرَاهُ (بِتَخْوِيفٍ بِمَحْذُورٍ كَضَرْبٍ شَدِيدٍ) ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ، فَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ بِالْعُقُوبَةِ الْآجِلَةِ كَقَوْلِهِ: لَأَضْرِبَنَّكَ غَدًا وَلَا بِالتَّخْوِيفِ بِالْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ: طَلِّقْهَا، وَإِلَّا اقْتَصَصْتُ مِنْك، وَهَذَانِ خَرَجَا بِمَا زِدْته بِقَوْلِي: عَاجِلًا ظُلْمًا. (فَإِنْ ظَهَرَ) مِنْ الْمُكْرِهِ (قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ) مِنْهُ لِلطَّلَاقِ (كَأَنْ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: بِأَنْ (أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ) مِنْ الطَّلْقَاتِ (أَوْ) عَلَى (صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ) عَلَى أَنْ يَقُولَ: (طَلَّقْت أَوْ) عَلَى (طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ) وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي. (فَخَالَفَ) بِأَنْ وَحَّدَ أَوْ ثَنَّى، أَوْ كَنَّى، أَوْ نَجَّزَ، أَوْ صَرَّحَ أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً (وَقَعَ) الطَّلَاقُ بَلْ لَوْ وَافَقَ الْمُكْرَهَ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْ زَوْجَتِي، وَإِلَّا قَتَلْتُك

(وَ) شُرِطَ (فِي الصِّيغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فِرَاقٍ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً فَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ (بِلَا نِيَّةٍ) لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَلَا يُنَافِيه مَا يَأْتِي مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ (وَهُوَ) أَيْ: صَرِيحُهُ مَعَ مُشْتَقِّ الْمُفَادَاةِ وَالْخُلْعِ (مُشْتَقُّ طَلَاقٍ وَفِرَاقٍ وَسَرَاحٍ) بِفَتْحِ السِّينِ؛ لِاشْتِهَارِهَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ بِإِتْيَانِهِ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ الثَّلَاثِ لَهُ نَوْعُ اخْتِيَارٍ، وَشَرْطُ عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَه أَنْ لَا تَظْهَرَ مِنْهُ قَرِينَةُ الِاخْتِيَارِ كَمَا يَأْتِي، وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَسْأَلُهُ هَلْ يُطَلِّقُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ؟ ، وَإِلَّا فَمَتَى أَكْرَهَهُ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ وَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ وَقَعَ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَيَأْتِي بِهِ فَقَطْ كَأَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتهَا فَلَا يَقَعُ حِينَئِذٍ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ، وَالْمُرَادُ الْمُكْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا بِحَقٍّ فَيَقَعُ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَكَانَ قَدْ طَلَّقَ أُخْتَهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ قَسْمٍ فَطَلَبَتْهُ مِنْهُ فَأَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لِيُوفِيَ أُخْتَهَا حَقَّهَا بَعْدَ تَزَوُّجِهَا ب ر، وَكَطَلَاقِ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ) لِلرَّدِّ (قَوْلُهُ: أَيْ: إكْرَاهٌ) فَسَّرَ الْإِغْلَاقَ بِالْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ إلَى أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ انْغَلَقَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ. اهـ حَجّ. (قَوْلُهُ: بِمَحْذُورٍ) وَلَوْ فِي ظَنِّ الْمُكْرَهِ فَلَوْ خَوَّفَهُ بِمَا ظَنَّهُ مَحْذُورًا فَبَانَ خِلَافُهُ كَانَ مُكْرَهًا ح ل. (قَوْلُهُ: أَوْ إتْلَافَ مَالٍ) أَيْ: لَهُ وَقَعَ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِدُونِ بَذْلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي، وَإِلَّا أَطْعَمْتُك سُمًّا مَثَلًا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ ب ر قَالَ الشَّاشِيُّ: إنَّ الِاسْتِخْفَافَ فِي حَقِّ الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الشَّتْمَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ إكْرَاهٌ. اهـ، وَمِنْهُ حَبْسُ دَوَابِّهِ حَبْسًا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ عَادَةً ع ش عَلَى م ر، وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا بِزَوْجَتِهِ، أَوْ قَتْلُ وَلَدِهِ، أَوْ الْفُجُورُ بِهِ؟ ، وَهَلْ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ اعْتَادَ الْقِيَادَةَ عَلَيْهَا؟ ، وَفِي الرَّوْضِ أَنَّ التَّخْوِيفَ بِقَتْلِ الْوَلَدِ إكْرَاهٌ فِي الطَّلَاقِ، وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّ مِنْ الْإِكْرَاهِ التَّهْدِيدَ بِقَتْلِ بَعْضٍ مَعْصُومٍ، وَإِنْ عَلَا أَوْ سَفَلَ، وَكَذَا رَحِمٌ وَنَحْوُ جَرْحِهِ، أَوْ فُجُورٍ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْإِكْرَاهِ قَوْلُ مَنْ ذُكِرَ: طَلِّقْ زَوْجَتَك، وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي ح ل أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ نَحْوُ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ كَمَا فِي م ر، وَلَا فَرْقَ بَيْنِ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ، فَلَوْ حَلَفَ لِيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ لَتَصُومَنَّ غَدًا، فَحَاضَتْ فِيهِ، أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهٌ الْيَوْمَ، فَوَجَدَهَا حَامِلًا مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا حَقَّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَعَجَزَ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي شَرْحُ م ر، بِأَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْوَفَاءَ فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ) أَيْ: الْمَذْكُورُ مِنْ الضَّرْبِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَأَحْوَالُهُمْ) أَيْ: مَرَاتِبُهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ: الضَّرْبُ غَيْرُ الشَّدِيدِ إكْرَاهٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمُرُوآتِ ح ل وَم ر. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَهَرَ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَنْوِيَ الطَّلَاقَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: بَلْ لَوْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ إلَخْ فَصَرَائِحُ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَنَى) بِتَخْفِيفِ النُّونِ

(قَوْلُهُ: مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدٍ إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ وُجِدَ مَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ مَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِ ح ل، وَمِثْلُهُ فِي م ر. (قَوْلُهُ: مَعَ مُشْتَقِّ الْمُفَادَاةِ وَالْخُلْعِ) أَيْ: حَيْثُ ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ نَوَى ح ل. (قَوْلُهُ: مُشْتَقُّ طَلَاقٍ) وَأَمَّا الطَّلَاقُ نَفْسُهُ فَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأً كَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ مَفْعُولًا كَأَوْقَعْتُ عَلَيْكِ الطَّلَاقَ، أَوْ فَاعِلًا كَيَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر وَالرَّشِيدِيُّ قَالَ م ر.
وَمِنْ الصَّرَائِحِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ خِلَافًا لِجَمْعٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَكَذَا الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إذَا خَلَا عَنْ التَّعْلِيقِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا فِي فَتَاوِيهِ، أَوْ طَلَاقُك لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا فَرْضٌ عَلَيَّ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَلَا وَالطَّلَاقُ مَا فَعَلْت أَوْ مَا أَفْعَلُ كَذَا، فَهُوَ لَغْوٌ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ حَيْثُ كَانَ الْأَوَّلُ كِنَايَةً، وَالثَّانِي صَرِيحًا أَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ فَرْضًا لِاشْتِهَارِ الْفَرْضِ

الصفحة 4