كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ، وَوَجْهُ إدْخَالِ رَجْعَةِ الْمُحْرِمِ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَانِعٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَ مِنْ تَحْتِهِ حُرَّةً، وَأَمَةَ الْأَمَةِ صَحَّتْ رَجْعَته لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِنِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ (فَلِوَلِيِّ مَنْ جُنَّ) وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ (رَجْعَةٌ حَيْثُ يُزَوِّجُهُ) بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ

. (وَ) شُرِطَ (فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ) وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، وَذَلِكَ إمَّا (صَرِيحٌ، وَهُوَ رَدَدْتُكِ إلَيَّ وَرَجَعْتُك، وَأَرْجَعْتُك، وَرَاجَعْتُك وَأَمْسَكْتُك) لِشُهْرَتِهَا فِي ذَلِكَ وَوُرُودِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي مَعْنَاهَا سَائِرُ مَا اُشْتُقَّ مِنْ مَصَادِرِهَا كَأَنْتِ مُرَاجَعَةٌ وَمَا كَانَ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، وَيُسَنُّ فِي ذَلِكَ الْإِضَافَةُ كَأَنْ يَقُولُ: إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي إلَّا رَدَدْتُك، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ (أَوْ كِنَايَةٌ كَتَزَوَّجْتُك وَنَكَحْتُك) لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَكُونَانِ صَرِيحَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ صَرَائِحَ الرَّجْعَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا ذُكِرَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا بِخِلَافِ كِنَايَتِهَا (وَتَنْجِيزٌ وَعَدَمُ تَوْقِيتٍ) فَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْتُ أَوْ رَاجَعْتُك شَهْرًا لَمْ تَحْصُلْ الرَّجْعَةُ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِي

. (وَسُنَّ إشْهَادٌ) عَلَيْهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَالْأَمْرِ بِهِ فِي آيَةِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [الطلاق: 2] مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ، وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا، وَالتَّصْرِيحُ بِسِنِّ الْإِشْهَادِ مِنْ زِيَادَتِي، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ غَيْرِ الْكِتَابَةِ، وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ؛ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا وَكَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ النِّكَاحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّعَدِّيَ إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَبِمُوجَبِهِ، وَكَانَ مِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ امْتِنَاعُ الرَّجْعَةِ، وَأَنَّ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُهُ احْتَاجَ فِي رَدِّهَا إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ) بِأَنْ طَلَّقَ حَالَ إفَاقَتِهِ أَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ وَوُجِدَتْ حَالَ جُنُونِهِ س ل. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَانِعٌ) أَيْ: فَهُوَ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ. لَا يُقَالُ: هَذَا يَأْتِي فِي الْمُرْتَدِّ، فَيُقَالُ: إنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَوْلَا الرِّدَّةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالرِّدَّةِ فَرْقٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُزِيلُ أَثَرَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ كَلَا مَانِعٍ ح ل (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ: لِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُرْتَجَعِ أَهْلًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ صَالِحَةٌ لِلِاسْتِمْتَاعِ ح ل بِأَنْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَهْلُ النِّكَاحِ) أَيْ: لِنِكَاحِهَا أَيْ: الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ: فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ. (قَوْلُهُ: فَلِوَلِيِّ مَنْ جُنَّ) أَيْ: عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ ح ل فَتَجِبُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى أَبٍ تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ

. (قَوْلُهُ: وَرَاجَعْتُك) فَلَوْ أَسْقَطَ الضَّمِيرَ نَحْوَ رَاجَعْت كَانَ لَغْوًا، وَمِثْلُ الضَّمِيرِ الِاسْمُ الظَّاهِرُ كَفُلَانَةٍ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ كَهَذِهِ ح ل، وَقَوْلُهُ: كَانَ لَغْوًا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ وَقَعَ جَوَابًا لِقَوْلِ شَخْصٍ لَهُ: أَرَاجَعْت امْرَأَتَك؟ الْتِمَاسًا لِإِنْشَائِهَا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ ع ش عَلَى م ر، وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْمُرْتَجِعِ رَاجَعْت زَوْجَتِي إلَى عَقْدِ نِكَاحِي مَعَ أَنَّ الْمُرْتَجَعَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ نِكَاحِهِ، بَلْ هِيَ زَوْجَةٌ حُكْمًا فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَاجَعْتهَا إلَى نِكَاحٍ كَامِلٍ غَيْرِ صَائِرٍ لِبَيْنُونَةٍ بِانْقِضَاءِ عِدَّةٍ. اهـ سم وَزي.
(قَوْلُهُ: وَوُرُودُهَا) أَيْ: وُرُودُ مَجْمُوعِهَا وَهُوَ الرَّدُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] ، وَالْإِمْسَاكُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] ، وَلِرَجْعَةٍ فِي قَوْلِهِ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] . (قَوْلُهُ: سَائِرُ مَا اُشْتُقَّ مِنْ مَصَادِرِهَا) أَيْ: مِمَّا هُوَ مُنَاسِبٌ لَهُ أَوْ لَهَا فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مُرَاجِعَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَوْ أَنَا مُرَاجَعٌ بِفَتْحِهَا كَانَ لَغْوًا ح ل. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الرَّدَّ وَحْدَهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ فَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى أَهْلِهَا بِسَبَبِ الْفِرَاقِ، فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي صَرَاحَتِهِ خِلَافًا لِجَمْعِ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا إلَخْ) هَذَا لَا يَنْتِجُ كَوْنَهُمَا كِنَايَتَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ، فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ، وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ كَانَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَلَا يُمْكِنَانِ فِي الرَّجْعِيَّةِ إذْ هِيَ زَوْجَةٌ خِلَافًا لِمَا قِيلَ: إنَّهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَاجَعْتُك شَهْرًا) هَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ أَتَى بِمَا يَبْعُدُ بَقَاؤُهُ إلَيْهِ؟ . اهـ ح ل، وَفِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَعَدَمُ تَوْقِيتٍ شَمَلَ مَا لَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك بَقِيَّةَ عُمُرِك، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَقَدْ يُقَالُ: بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا بَقِيَّةَ حَيَاتِهَا

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ) اُنْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ، وَمَا مَعْنَى كَوْنِهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِدَامَةِ مَعَ أَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ؟ . وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ أَيْ: الَّذِي لَمْ يَخْتَلَّ بِالطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِدَامَةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ أَيْ: قَارَبَتْ ذَلِكَ إذْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَيْسَ لَهُمْ الْإِمْسَاكُ حَجّ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَفْظًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ ح ل. (قَوْلُهُ: غَيْرَ الْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ) أَيْ: لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ بِالْقَوْلِ فِي كَوْنِهِمَا كِنَايَتَيْنِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: كَوَطْءٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ شَوْبَرِيٌّ

الصفحة 41