كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

(شَرْطُ الْقَائِفِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَاتِ) هَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ (وَتَجْرِبَةٌ) فِي مَعْرِفَةِ النَّسَبِ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ فِيهِنَّ أُمُّهُ فَإِنْ أَصَابَ فِي الْمَرَّاتِ جَمِيعًا اُعْتُمِدَ قَوْلُهُ: وَذِكْرُ الْأُمِّ مَعَ النِّسْوَةِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِلْأَوْلَوِيَّةِ إذْ الْأَبُ مِنْ الرِّجَالِ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ فِي رِجَالٍ كَذَلِكَ بَلْ سَائِرُ الْعَصَبَةِ وَالْأَقَارِبِ كَذَلِكَ وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ كَالْقَاضِي وَلَا كَوْنُهُ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ نَظَرًا لِلْمَعْنَى خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَهُ وُقُوفًا مَعَ مَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ.
وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْرُورًا فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»

(فَإِذَا تَدَاعَيَا) أَيْ اثْنَانِ (وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً مَجْهُولًا) لَقِيطًا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ وَلَدَ مَوْطُوءَتِهِمَا وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلٍّ) مِنْهُمَا (كَأَنْ وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ) كَأَمَةٍ لَهُمَا (أَوْ) وَطِئَ (أَحَدُهُمَا زَوْجَةَ الْآخَرِ بِشُبْهَةٍ وَوَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْئِهِمَا عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا.
(فَإِنْ تَخَلَّلَ) وَطْأَهُمَا (حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي) الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ بَاقٍ وَفِرَاشَ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَ بِالْحَيْضَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَالثَّانِي وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ فَلَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ مَعَ فِرَاشِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ قَائِمٌ مَقَامَ نَفْسِ الْوَطْءِ وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْحَيْضَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبَائِعٍ وَبَاعَةٍ عَبْدُ الْبَرِّ وز ي وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ يُقَالُ قَافَ أَثَرَهُ مِنْ بَابِ قَالَ إذَا تَتَبَّعَهُ مِثْلُ قَفَا أَثَرَهُ وَيُجْمَعُ الْقَائِفُ عَلَى قَافَةٍ اهـ وَأَصْلُهُ قِيفَةٌ قُلِبَتْ الْيَاءُ أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهُ
بِالنَّظَرِ لِلتَّقْدِيرِ
(قَوْلُهُ: هَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ لَا يَشْمَلُ بَقِيَّةَ شُرُوطِ الشَّاهِدِ كَكَوْنِهِ نَاطِقًا بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَغَيْرَ عَدُوٍّ لِمَنْ يَنْفِي عَنْهُ وَلَا بَعْضٍ لِمَنْ يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ أَوْ حَاكِمٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ اعْتِبَارِ سَمْعِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْأَصْحَابِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَتَجْرِبَةٌ) وَإِذَا حَصَلَتْ التَّجْرِبَةُ اعْتَمَدْنَا إلْحَاقَهُ وَلَا تُجَدَّدُ التَّجْرِبَةُ لِكُلِّ إلْحَاقٍ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) هُوَ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الثَّلَاثِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْعِبْرَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَقَدْ تَحْصُلُ بِدُونِ ثَلَاثٍ وَاسْتَشْكَلَ الْبَارِزِيُّ خُلُوَّ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى فِيهِنَّ فَائِدَةٌ وَقَدْ يُصِيبُ فِي الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرَضَ مَعَ كُلِّ صِنْفٍ وَلَدٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ وَلَا تَخْتَصُّ بِهِ الرَّابِعَةُ فَإِذَا أَصَابَ فِي الْكُلِّ عُلِمَتْ تَجْرِبَتِهِ حِينَئِذٍ ذِ. اهـ. وَكَوْنُ ذَلِكَ أَوْلَى ظَاهِرًا فَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِكَلَامِهِمْ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فِي نِسْوَةٍ) وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِلنِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْحَاجَةِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمَعْنَى) وَهُوَ شِدَّةُ إدْرَاكِهِ لُحُوقَ الْأَنْسَابِ لِمَا خَصَّهُ اللَّهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ م ر؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعُ عِلْمٍ فَمَنْ عَلِمَهُ عَمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ مَا وَرَدَ) أَيْ عَلَى مَاوَرْدَ (قَوْلُهُ: إنَّ مُجَزِّزًا) بِزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ كَمَا فِي ع ش وَالْأُولَى مِنْهُمَا مُشَدَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا أَخَذَا أَسِيرًا جَزَّ رَأْسَهُ أَيْقَطَعَهُ (قَوْلُهُ: فَرَأَى أُسَامَةَ) هُوَ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ أَبُو دَاوُد كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَزَيْدٌ أَبْيَضَ م ر (قَوْلُهُ: فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ إلَخْ) فَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَهُ لَمَنَعَهُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِالْحَقِّ شَرْحُ م ر وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ طَعَنُوا فِي نَسَبِ أُسَامَةَ وَقَالُوا لَيْسَ ابْنُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَبْيَضَ وَأُسَامَةُ كَانَ أَسْوَدَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَشَوَّشُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَا حِبِّيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِقْرَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُرُورُهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَافَةَ حَقٌّ، وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ الْحُكْمَ بِالْقَائِفِ لِأَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ شَيْخُنَا.
قَالَ ع ش عَلَى م ر وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَهَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ مَعَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إنْ كَانَ صَغِيرًا إذْ الْكَبِيرُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمًا وَسَكْرَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّائِمِ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ أَوْ تَحَيَّرَا اُعْتُبِرَ انْتِسَابُ الْوَلَدِ بَعْدَ كَمَالِهِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كَانَ الِاشْتِبَاهُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْفِرَاشِ لَمْ يُقْبَلْ إلْحَاقُ الْقَائِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ مُلَخَّصِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ) وَلَا يُنْقَضُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَوْ بَلَغَ وَانْتَسَبَ لَمْ يُؤَثِّرْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ شَرْحُ م ر وَمُحَصِّلُ مَا فِي الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي اسْتَخْلَفَهُ وَجَعَلَهُ حَاكِمًا بَيْنَهُمَا جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ بِمَا رَآهُ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ وَإِلْحَاقُهُ حَتَّى يَحْكُمُ الْحَاكِمُ. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَائِفَيْنِ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ يَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي سم.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ) بَلْ يُعْرَضُ الْوَلَدُ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا فِي الْإِسْعَادِ ز ي.

الصفحة 411