كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَخَبَرُ «أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَا وَقْفَهُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَخَالَفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَصَحَّحَ رَفْعَهُ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَسَبَبُ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ رَبَّهَا أَيْ سَيِّدَهَا فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أَبِيهِ وَأَبُوهُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَلَدَتْ صِفَةٌ لِأَمَةٍ وَهُوَ أَيْضًا فِعْلُ الشَّرْطِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةً لِأَمَةٍ وَالْفِعْلُ وَحْدَهُ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ هُوَ خَبَرٌ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَفِي مَحَلِّ جَرٍّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا صِفَةً نَظِيرَ قَوْلِهِ
وَكَوْنُك إيَّاهُ عَلَيْك يَسِيرُ
فَإِنَّ الْكَافَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ وَفِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِاعْتِبَارِ اسْمِ الْكَوْنِ وَمَا مِنْ أَيُّمَا زَائِدَةٌ وَأَمَةٍ مُضَافٌ إلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِأَمَةٍ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَمَةٌ بَعْدَ تَأْوِيلِهَا بِرَقِيقَةٍ لِتَكُونَ مُشْتَقَّةً أَوْ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ مَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَمَةٌ مَرْفُوعَةً، وَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ حُذِفَ صَدْرُ صِلَتِهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ لَمْ تَطُلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَمَةٌ بَدَلًا مِنْ أَيِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ بَدَلَ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ يَلِي شَرْطًا كَمَا ذَكَرَهُ الْأُشْمُونِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ
وَبَدَلُ الْمُضَمَّنِ الْهَمْزَ يَلِي ... هَمْزًا. . . إلَخْ
نَحْوُ مَنْ يَقُمْ إنْ زَيْدٌ وَإِنْ عَمْرٌو وَأَقُمْ مَعَهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَدَلُ بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَهُوَ هُنَا قَبْلَهُ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا أَغْلَبِيٌّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] فَإِنَّ يَوْمَئِذٍ بَدَلٌ مِنْ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ} [الزلزلة: 1] وَلَمْ يَلِ شَرْطًا وَتُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَإِذَا وَيَوْمَئِذٍ مَعْمُولَانِ لَهُ (قَوْلُهُ: عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ) الدُّبُرُ هُوَ الْمَوْتُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي التَّدْبِيرِ وَمِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِدُبُرٍ وَعَنْ بِمَعْنَى بَاءِ السَّبَبِيَّةِ أَوْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْمَعْنَى فَحُرِّيَّتُهَا نَاشِئَةٌ عَنْ مَوْتِهِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ ع ش عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ أَيْ بَعْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الدُّبُرُ بِضَمَّتَيْنِ أَوْ سُكُونِ الْبَاءِ خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَصْلُهُ لِمَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَرْفُوعٌ اتِّفَاقًا، وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ ع ش.
(قَوْلُهُ: لَا يَبِعْنَ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَسْتَمْتِعُ بِهَا إلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالْمُطَابَقَةِ فِي ضَمِيرِ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْكَثْرَةَ وَكَانَ لِغَيْرِ عَاقِلٍ فَالْإِفْرَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْمُطَابَقَةُ وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ حَيْثُ أَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِرُجُوعِهِ لَلِاثْنَا عَشَرَ وَطَابَقَ فِي قَوْلِهِ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ ع ش وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ أَوْ قَهْرِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَبَدَأَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ أَيْ لَا يَبِعْنَ لِغَيْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهِبَةِ وَأَخَّرَ الْإِرْثَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَتَعَلُّقِ مَا قَبْلَهُ بِالْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَسْتَمْتِعُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ وَهِيَ لَا تَعُمُّ فَدَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَقَوْلُهُ يَسْتَمْتِعُ خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِ السَّيِّدُ وَلَمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا يَبِعْنَ كَمَالَ الِانْقِطَاعُ لِكَوْنِهِ نَهْيًا فِي الْمَعْنَى، وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَيْهِ وَأَفْرَدَ ضَمِيرَهُ وَجَمَعَهُ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا) أَيْ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَسْرِي الْعِتْقُ مِنْهُ إلَيْهَا كَالْعِتْقِ بِاللَّفْظِ لَكِنْ الْعِتْقُ بِهِ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْ حَيْثُ صَرَاحَةُ اللَّفْظِ فَأَثَّرَ فِي الْحَالِ، وَهَذَا فِيهِ ضَعِيفٌ فَأَثَّرَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَشْقَاصِ لَا فِي الْأَشْخَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْحَمْلُ جُزْءًا مِنْهَا صَارَ شِقْصًا لَا شَخْصًا تَدَبَّرْ لَهُ.
(قَوْلُهُ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) إنَّمَا كَانَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ وَكَثْرَةِ الْجَوَارِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَطَأُ أَمَتَهُ فَتَحْبَلُ مِنْهُ وَتَلِدُ، ثُمَّ يَبِيعُهَا رَغْبَةً فِي ثَمَنِهَا فَإِذَا كَبُرَ وَلَدُهَا وَلَوْ أُنْثَى اشْتَرَاهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهَا أُمُّهُ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا وَلَدَتْ سَيِّدَهَا الْمَالِكَ لَهَا صُورَةً ع ش (قَوْلُهُ: فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أَبِيهِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ هَذِهِ الضَّمِيمَةِ إذْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ حَصَلَ مِنْ «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا» فَسَمَّاهُ رَبًّا وَالرَّبُّ الْمَالِكُ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا الْحُرُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَأَبُوهُ حُرٌّ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قِنًّا، بِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنْتِجْ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ انْعِقَادُهُ حُرًّا فِي مِلْكِ أَبِيهِ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّشِيدِيَّ عَلَى م ر قَالَهُ قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ

الصفحة 443