كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

(حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ) وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي الطَّلَاقِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ (اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك) أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا (الْحَقِي) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَفَتْحِ ثَالِثِهِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ (بِأَهْلِك) أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) أَيْ: خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخَلَّى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعِتْقِ لِيَرْعَى كَيْفَ يَشَاءُ.
(لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ) أَيْ: لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك وَالسَّرْبُ: بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْإِبِلُ، وَمَا يُرْعَى مِنْ الْمَالِ وَأَنْدَهُ أَزْجُرُ (اُعْزُبِي) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ: مِنْ الزَّوْجِ (اُغْرُبِي) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ: صَيْرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ (دَعِينِي) أَيْ: اُتْرُكِينِي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَدَعِينِي) لِذَلِكَ (أَشْرَكْتُك مَعَ فُلَانَةَ وَقَدْ طَلُقَتْ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْوِهَا، كَتَجَرُّدِي أَيْ: مِنْ الزَّوْجِ وَتَزَوَّدِي اُخْرُجِي سَافِرِي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَكَأَنَا طَالِقٌ، أَوْ بَائِنٌ وَنَوَى طَلَاقَهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا، وَلَا أَرْبَعًا فَصَحَّ حَمْلُ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حِلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ مَعَ النِّيَّةِ، فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لِعَبْدِهِ أَنَا مِنْك حُرٌّ لَيْسَ كِنَايَةً كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحِلُّ النِّكَاحَ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْعِتْقُ يَحِلُّ الرِّقَّ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا لَمْ يَقَعْ سَوَاءٌ أَنَوَى أَصْلَ الطَّلَاقِ أَمْ طَلَاقَ نَفْسِهِ أَمْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا؟ ، وَقَوْلِي: أَنَا طَالِقٌ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي، وَمِثْلُهُ أَنَا بَائِنٌ، فَقَوْلُ الْأَصْلِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ، أَوْ بَائِنٌ مِثَالٌ لَكِنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ (لَا أَسْتَبْرِئُ رَحِمِي مِنْكِ) أَوْ أَنَا مُعْتَدٌّ مِنْكِ فَلَيْسَ كِنَايَةً فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ

. (وَالْإِعْتَاقُ) أَيْ: صَرِيحُهُ وَكِنَايَتُهُ (كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسِهِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ، فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَعْتَقْتُك، أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: طَلَّقْتُك أَوْ، ابْنَتُك، وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعَكْسِ قَوْلُهُ: لِعَبْدِهِ اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك، وَقَوْلُهُ لَهُ، أَوْ لِأَمَتِهِ أَنَا مِنْك حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَكْثَرَ لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ إلَخْ) ، وَمِثْلُهُ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، أَوْ عَلَيَّ الْحَلَالُ ع ش، وَالْمَعْنَى الْحَلَالُ وَاقِعٌ عَلَيَّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ) فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ ح ل. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا) لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ غَيْرَهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: بِأَهْلِك) سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَهْلٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك) هَلْ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ الْإِخْبَارُ بِالطَّلَاقِ فِيمَا مَضَى أَوْ الْإِنْشَاءُ؟ ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ، الظَّاهِرُ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ) أَمَّا بِكَسْرِهَا، فَالْجَمَاعَةُ مِنْ الظِّبَاءِ، وَبَقَرُ الْوَحْشِ ح ل، وَمِثْلُهُ زي، وَقَالَ ق ل: السِّرْبُ اسْمٌ لِلظِّبَاءِ وَالْقَطَا (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَالِ) أَيْ: غَيْرِ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَلَوْ قَالَ: مِنْ الْحَيَوَانِ لَكَانَ أَوْضَحَ. (قَوْلُهُ: وَأَنْدَهُ) مِنْ النَّدْهِ، وَهُوَ الزَّجْرُ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَنْدَهُ سِرْبَك لَا أَزْجُرُ إبِلَك مَثَلًا، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ، وَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِشَأْنِهَا لِكَوْنِهِ طَلَّقَهَا مَثَلًا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَيْ: لَا أَهْتَمُّ تَفْسِيرًا بِاللَّازِمِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ لِذَلِكَ) أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْزَمِي الطَّرِيقَ، لَك الطَّلَاقُ، عَلَيْك الطَّلَاقُ وَمِنْهَا كُلِي وَاشْرَبِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلِي وَاشْرَبِي مَرَارَةَ الْفِرَاقِ، وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ الْفِرَاقَ بِتَعَسُّفٍ نَحْوُ أَغْنَاك اللَّهُ وَاقْعُدِي وَقُومِي وَزَوِّدِينِي، وَأَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك م ر، وَكَذَا عَلَيَّ السُّخَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَلَيْسَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَ السُّخَامِ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَكَأَنَا طَالِقٌ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: لَا أَسْتَبْرِئُ رَحِمِي مِنْك وَكَذَا بَقِيَّةُ الصَّرَائِحِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَنَوَى طَلَاقَهَا) أَيْ: نَوَى إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُضَافًا إلَيْهَا، وَهَذَا أَيْ: إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى نِيَّةِ الْكِنَايَاتِ ح ل. (قَوْلُهُ: السَّبَبُ الْمُقْتَضِي) وَهُوَ الْعِصْمَةُ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ أَنَا بَائِنٌ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي بَائِنٍ مَنْ مِنْك بِخِلَافِ طَالِقٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ شَوْبَرِيٍّ، وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: مِثَالٌ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مِنْك فِي بَائِنٍ. اهـ بِحُرُوفِهِ

. (قَوْلُهُ: كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ) أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ، وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ كَانَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِي حَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، وَلَا نَفَاذَ لَهُ فِي حَلِّ الْمِلْكِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْأَمَةِ، فَكَانَ كِنَايَةً فِيهِ، وَكَذَا لَفْظُ الْعِتْقِ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ، وَلَا نَفَاذَ لَهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الزَّوْجَةِ فَكَانَ كِنَايَةً فِيهَا أَيْ: فِي طَلَاقِهَا، فَالْمُرَادُ بِمَوْضُوعِهِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْآنَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَمَعْنَى لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا إلَخْ أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي مَوْضُوعِهِ أَيْ: فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْآنَ، وَذَلِكَ كَالْإِعْتَاقِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الزَّوْجَةِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ حُمِلَ عَلَى مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ، وَالتَّقْيِيدُ حَيْثُ أَطْلَقْنَا الْإِزَالَةَ عَنْ قَيْدِهَا الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي مُطْلَقِ الْإِزَالَةِ، ثُمَّ قُيِّدَتْ بِالْعِصْمَةِ، وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي اسْتِعْمَالِ الطَّلَاقِ فِي الْأَمَةِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ: لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعِهِ مُمْكِنٌ أَيْ: اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْآنَ، وَهُوَ الزَّوْجَةُ مُمْكِنٌ، وَقَوْلُهُ: وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ أَيْ: صَحَّ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي مَوْضُوعِهِ أَيْ: مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْآنَ، وَهُوَ الزَّوْجَةُ مَثَلًا الطَّلَاقُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَأُرِيدَ مِنْهُ الظِّهَارُ لَمَّا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ تَدَبَّرْ مُتَأَمِّلًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي) فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ فِي كُلٍّ

الصفحة 6