كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

(وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسِهِ) وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إفَادَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعِهِ مُمْكِنٍ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك، وَنَوَى طَلَاقًا) وَإِنْ تَعَدَّدَ (أَوْ ظِهَارًا وَقَعَ) الْمَنْوِيُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَجَازَ أَنْ يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَرَامِ (أَوْ نَوَاهُمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (تُخَيِّرَ) وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَالظِّهَارُ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا، أَوْ نَحْوَهَا كَوَطْئِهَا، أَوْ فَرْجِهَا أَوْ رَأْسِهَا، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (فَلَا تَحْرُمُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ.
(وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا لَوْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ) فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ «مَارِيَةَ لَمَّا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ نَزَلَ: قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] » أَيْ: أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةً كَكَفَّارَةِ أَيْمَانِكُمْ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ فِي مُحَرَّمَةٍ كَرَجْعِيَّةٍ، وَأُخْتٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ، وَفِي وُجُوبِهَا فِي زَوْجَةٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ عَنْ شُبْهَةٍ، أَوْ أَمَةٍ مُعْتَدَّةٍ، أَوْ مُرْتَدَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ، مُزَوَّجَةٍ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا لَا فَإِنْ نَوَى فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ عِتْقًا ثَبَتَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا لَغَا؛ إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْأَمَةِ (وَلَوْ حَرَّمَ غَيْرَ مَا مَرَّ) كَأَنْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ حَرَامٌ عَلَيَّ (فَلَغْوٌ) لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَكْسِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ح ل، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنَا مِنْك حُرٌّ لَيْسَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي الْعِتْقِ فَفِي اسْتِثْنَائِهِ نَظَرٌ. اهـ شَيْخُنَا

. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الطَّلَاقُ) أَيْ: صَرِيحُهُ، وَأَمَّا كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ فَهَلْ هِيَ كِنَايَةٌ فِي الظِّهَارِ أَوْ لَا؟ اُنْظُرْهُ ح ل، وَفِي ع ش قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ مَا كَانَ إلَخْ قَضِيَّةُ الِاقْتِصَارِ فِيمَا عُلِّلَ بِهِ عَلَى الصَّرِيحِ أَنَّ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ تَكُونُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ، وَعَكْسِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْكِنَائِيَّةَ حَيْثُ احْتَمَلَتْ الطَّلَاقَ احْتَمَلَتْ الظِّهَارَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالْبُعْدِ عَنْ الْمَرْأَةِ، وَالْبُعْدُ كَمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ يَكُونُ بِالظِّهَارِ، وَبِهِ يُصَرِّحُ قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ أَعْنِي لَيْسَ إلَخْ لَا عَلَى مُفْرَدَاتِهَا، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ رَاجِعٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ قَبْلَ دُخُولِ النَّفْيِ. وَالْمَعْنَى وَعُكِسَ كَوْنُ الطَّلَاقِ كِنَايَةَ ظِهَارٍ، وَهُوَ أَنَّ الظِّهَارَ كِنَايَةُ طَلَاقٍ مَنْفِيٍّ كَذَلِكَ. اهـ زي.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْقَاعِدَةِ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهَا بِمَعْنَى الظِّهَارِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفَاذٌ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ طَلَاقِهَا إذَا لَمْ يَنْوِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: فِي مَوْضُوعِهِ) أَيْ: فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْآنَ، وَهُوَ الزَّوْجَةُ ح ل. (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ كِنَايَةً) أَيْ: وَلَا صَرِيحًا بِالْأَوْلَى قَالَ م ر: وَسَيَأْتِي فِي أَنْت طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا آخَرَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَابِعًا فَمَحَلُّ مَا هُنَا فِي لَفْظِ ظِهَارٍ وَقَعَ مُسْتَقِلًّا. اهـ، وَلَوْ وَكَّلَ سَيِّدُ الْأَمَةِ زَوْجَهَا فِي عِتْقِهَا أَوْ عَكْسَهُ فَطَلَّقَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا، وَقَالَ: أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ مَعًا وَقَعَا، وَيَصِيرُ كَإِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ تَخْصِيصُ مَا فِي الشَّارِحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. شَوْبَرِيٌّ

. (قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ (قَوْلُهُ: فَجَازَ أَنْ يُكَنِّيَ) أَيْ: يُعَبِّرَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ شَوْبَرِيٌّ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ، فَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، فَلَوْ رَاجَعَهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ، وَبَانَتْ مِنْهُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى ع ش عَلَى م ر. الْمُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَعْقِدُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ) بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ دُونَ النِّيَّةِ وَإِذَا اخْتَارَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الظِّهَارُ مَنْوِيًّا أَوَّلًا ثَبَتَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ هُوَ الْمَنْوِيَّ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَغَا الظِّهَارُ أَيْ: وَلَا يَصِيرُ عَائِدًا وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ الظِّهَارُ، فَإِنْ رَاجَعَ صَارَ عَائِدًا، وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ ح ل، وَمِثْلُهُ زي. (قَوْلُهُ: كَوَطْئِهَا) مَا لَمْ يَقُمْ بِهَا مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَصَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ وَفِي تَمْثِيلِهِ بِالْوَطْءِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَعْيَانِ بَلْ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ تَتَّصِفُ بِالتَّحْرِيمِ. اهـ ح ل، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَا أُلْحِقَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَطْءِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ: مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ يَمِينًا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَطْءِ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ حَرَامٌ عَلَيَّ، وَلَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ح ل، وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ مَارِيَةَ) أَيْ: فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ) {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] أَيْ: مِنْ أَمَتِك مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ لَمَّا وَاقَعَهَا فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، وَكَانَتْ غَائِبَةً، وَجَاءَتْ وَشَقَّ عَلَيْهَا كَوْنُ ذَلِكَ فِي بَيْتِهَا، وَفِي يَوْمِهَا وَعَلَى فِرَاشِهَا حَيْثُ قُلْت: هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ. اهـ جَلَالَيْنِ. أَيْ: تَطْيِيبًا لِخَاطِرِ حَفْصَةَ، وَقَوْلُهُ: حَيْثُ قُلْت: مَعْمُولٌ لِتَحَرُّمِ، وَوَرَدَ وَوَرَدَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي نَوْبَتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ فَقَالَ: إنِّي أُسِرُّ لَك سِرًّا فَاكْتُمِيهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ: تَحْلِيلَهَا وَهُوَ حِلُّ مَا عَقَدْته بِالْكَفَّارَةِ. اهـ بَيْضَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأُخْتٍ) أَيْ: أُخْتِهِ بِأَنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ ح ل. (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا لَا) ضَعِيفٌ فِي الْمُحَرَّمَةِ، لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. اهـ م ر. (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ: مِنْ أَنَّ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ ح ل. (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْرِيمِهِ) أَيْ: بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَلَا يَرِدُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ

الصفحة 7