كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 4)

(كَإِشَارَةِ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ) كَأَنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي، فَإِنَّهَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ إلَيْهَا عَنْ الْعِبَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ صِدْقٍ لِلطَّلَاقِ، وَإِنْ قَصَدَهُ بِهَا فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا، وَلَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا حُرُوفٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِفْهَامِ كَالْعِبَارَةِ

. [دَرْسٌ] (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِي طَلَاقٍ، وَغَيْرِهِ كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِقْرَارٍ وَدَعْوًى وَخُلْعٍ وَعِتْقٍ لِلضَّرُورَةِ (لَا فِي صَلَاةٍ) فَلَا تَبْطُلُ بِهَا (وَ) لَا فِي (شَهَادَةٍ) فَلَا تَصِحُّ بِهَا (وَ) لَا فِي (حِنْثٍ) فَلَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ، وَقَوْلِي: لَا فِي صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي، فَعُلِمَ أَنَّ إطْلَاقِي مَا قَبْلَهُ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِالْعُقُودِ وَالْحُلُولِ، (فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونِ (فَكِنَايَةٌ) تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَتَعْبِيرِي بِفَهْمِهَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: فَهِمَ طَلَاقَهُ

(وَمِنْهَا) أَيْ: الْكِنَايَةِ (كِتَابَةٌ) مِنْ نَاطِقٍ أَوْ أَخْرَسَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى النَّاطِقِ فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ فِي إفْهَامِ الْمُرَادِ كَالْعِبَارَةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَخْرَسِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَكْتُبَ مَعَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إنِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِقْلَالًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ مَعَ آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَرِدُ الْوَقْفُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ تَأَمَّلْ ح ل بِزِيَادَةٍ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا احْتَاجَ إلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ كَانَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَفِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ يَحْتَاجَانِ إلَى مَحَلٍّ، وَهُوَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ مَثَلًا، فَالصَّوَابُ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَيْ: بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ.
(قَوْلُهُ: كَإِشَارَةِ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ) خَرَجَ بِالطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَقَدْ تَكُونُ إشَارَتُهُ كَعِبَارَتِهِ كَهِيَ فِي الْأَمَانِ، وَكَذَا الْإِفْتَاءُ وَنَحْوُهُ فَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَيَجُوزُ كَذَا؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ مَثَلًا أَيْ: نَعَمْ جَازَ الْعَمَلُ بِهِ، وَنَقْلُهُ عَنْهُ. اهـ شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ هُوَ الْإِذْنُ فَإِشَارَةُ النَّاطِقِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْظُومَةِ فِي قَوْلِهِ:
إشَارَةٌ لِنَاطِقٍ تُعْتَبَرُ ... فِي الْإِذْنِ وَالْإِفْتَا أَمَانٌ ذَكَرُوا
، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَانِ أَمَانُ الْكُفَّارِ، وَالْإِذْنُ أَيْ: فِي الدُّخُولِ مَثَلًا

. (قَوْلُهُ: بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) أَصْلِيٍّ أَوْ طَارِئٍ، وَمِنْهُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ، وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ وَأَمَّا مَنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَكْثَرَ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى اللِّعَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَفْهَمُ الْكِنَايَةَ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ لَا ضَرُورَةَ لِلْإِشَارَةِ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَا فِي شَهَادَةٍ) أَيْ: أَدَائِهَا، وَأَمَّا تَحَمُّلُهَا فَيَصِحُّ مِنْهُ فَإِذَا قَدَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى النُّطْقِ أَدَّاهَا ح ل، وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِثْلُ نُطْقِهِ ... فِيمَا عَدَا ثَلَاثَةً لِصِدْقِهِ
فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ ... تِلْكَ ثَلَاثَةٌ بِلَا زِيَادَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَا فِي حِنْثٍ) كَأَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ خَرِسَ أَوْ أَشَارَ بِالْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَشَارَ بِهِ لَا حِنْثَ ح ل، وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ إذَا أَشَارَ بِالْحَلِفِ، ثُمَّ أَشَارَ بِالْكَلَامِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِالْإِشَارَةِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ بِهَا وَقَدْ كَلَّمَهُ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ إطْلَاقِي إلَخْ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَأَيْضًا حَذْفُ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُوهِمُ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِإِشَارَتِهِ فِي الْإِقْرَارِ، وَالدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِعَقْدٍ وَلَا حِلٍّ ع ش. (قَوْلُهُ: فَصَرِيحَةٌ) كَأَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ: طَلِّقْهَا فَيُشِيرُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَيْهَا. اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ اخْتَصَّ إلَخْ) قَصَرَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا لَمْ يَفْهَمْهَا أَحَدٌ مَعَ أَنَّهَا حِينَئِذٍ لَغْوٌ، وَعَلَى كَلَامِ حَجّ تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُنْدَرِجَةً فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: فَطِنُونَ) أَوْ فَطِنٌ وَاحِدٌ قَالَ ح ل: بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَفْهَمْهَا أَحَدٌ فَإِنَّهَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا مَعْنَى، وَفِي كَلَامِ حَجّ أَنَّهَا كِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَكِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ) وَتُعْرَفُ نِيَّتُهُ فِيمَا إذَا أَتَى بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أُخْرَى، فَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا تَعْرِيفَهُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا كِنَايَةٌ، وَلَا اطِّلَاعَ لَنَا بِهَا عَلَى نِيَّةِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي، وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَخْرَسِ أَنْ يَكْتُبَ مَعَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إنِّي قَصَدْت الطَّلَاقَ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. أَيْ: بَلْ مِثْلُ الْكِتَابَةِ الْإِشَارَةُ.
(قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: فُهِمَ طَلَاقُهُ) لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ إنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فِي الطَّلَاقِ مَثَلًا تَكُونُ صَرِيحَةً فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ صَرِيحَةً إلَّا فِيمَا فُهِمَتْ فِيهِ. أَقُولُ الْعُمُومُ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ تَصَرُّفٍ فُهِمَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فِي الطَّلَاقِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِيهِ دُونَ الْبَيْعِ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونَ فِي الْبَيْعِ أَوْ فَطِنٌ وَاحِدٌ كَانَتْ كِنَايَةً فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا شَوْبَرِيٌّ

. (قَوْلُهُ: كِتَابَةٌ) وَضَابِطُ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كُلُّ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَرِقٍّ، وَثَوْبٍ سَوَاءٌ كَتَبَ بِحِبْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ نَقَرَ صُورَةَ الْأَحْرُفِ فِي حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَطَّهَا عَلَى أَرْضٍ فَلَوْ رَسَمَ صُورَتَهَا فِي هَوَاءٍ أَوْ مَاءٍ، فَلَيْسَ كِتَابَةً فِي الْمَذْهَبِ. اهـ زي، وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْ الْكِنَايَاتِ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلْإِشَارَةِ وَلِأَجْلِ مَا بَعْدَهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى النَّاطِقِ إلَخْ) فَالْأَخْرَسُ يُعْلَمُ مِنْ الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَعَ) وَفَارَقَ إشَارَتَهُ أَيْ: النَّاطِقِ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ إلَخْ) هَذَا شَرْطٌ

الصفحة 8