كتاب بلغة السالك = حاشية الصاوي - العلمية (اسم الجزء: 4)

وإقبالاً وندما وأسفا وهو معنى قول صاحب الحكم : رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزّا واستكبارا ، وقال تعالى : { إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالحا فَأولئِكَ يُبَدلُ الله سيئاتهم حَسَنَات } ويحتمل أن مراد الشيخ وقوع المعاصي من أهل الحقيقة فيقدمون عليه امتثالا للمبرم لاستحالة تخلفه فقدومهم على المعصية بالإكراه كالساقط من شاهق ، ففي الصورة يرى مختارا وهو يشاهد سلب الاختيار عن نفسه وهذا المعنى قد شرحه العارف الجيلي بقوله : (
ولي نكتة غرّا هنا سأقولها **
وحق لها أن ترعويها المسامع ) (
هي الفرق مابين الولىّ وفاسق **
تنبه لها فالأمر فيه بدائع ) (
وما هو إلا أنه قبل وقعه **
يخبر قلبي بالذي هو واقع ) (
فأجنى الذي يقضيه في مرادها **
وعينى لها قبل الفعال تطالع ) (
فكنت أرى منها الإرادة قبل ما **
أرى الفعل مني والأسير مطاوع ** (
إذا كنت في أمر الشريعة عاصيا **
فإني في حكم الحقيقة طائع )
وعلى هذا المعنى تحمل الوقائع الخضرية ووقائع إخوة يوسف معه وأكل آدم من الشجرة فتأمل إن كنت من أهل النور وإلا فسلم لأهله مقالهم كما قال الشاعر : ) ) 16 ( 16 ( (
وإذا لم ترى الهلال فسلم **
لأناس رأوه بالأعيان **
قوله : 16 ( قال تعالى والذَّاكرينَ الله كثيرا ) : إن قلت إن الآية تدل على غفران الذنوب وعظم الأجر والمصنف أخبره بأن كثرة الذكر توجب نور البصيرة فلم يكن الدليل مطابقاللدعوى ؟ وأجيب بأن غفران الذنوب وعظم الأجر يستلزم نور البصيرة قال الشاعر : إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وعقل عاصى الهوى يزداد تنويرا قوله : 16 ( فيدخل في الآية ) : أي فيتحقق له الوعد الذي في الآية والمراد أنه يذكر ذلك العدد ولو في العمر مرة ، لكن العارفون جعلوا ذلك العدد كل يوم وليلة ، وهذا أقل هذا الذكر عند العامة ، وأما ذكر الكريدين فأقله اثنا عشر ألفاً في اليوم والليلة وأما ذكر الواصلين فهو عدم خطور غيره تعالى ببالهم كما قال العارف ابن الفارض : (
ولو خطرت لي في سواك إرادة **
على خاطري يومآ حكمت بردتي )
____________________

الصفحة 450