كتاب سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي (اسم الجزء: 4)
وللملك نور الدّين مِمَّا كَانَ الْتَزمهُ لَهُم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتودد إِلَى الْأَمِير أَسد الدّين ويركب مَعَه وعزم على فعل ضِيَافَة لَهُ فَنهى أَسد الدّين وَأَصْحَابه عَن الْحُضُور عِنْده خوفًا عَلَيْهِ من غائلته وشاوروه فِي قتل شاور فَلم يُمكنهُم الْأَمِير أَسد الدّين من ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام جَاءَ شاور إِلَى منزل أَسد الدّين فَوَجَدَهُ قد ذهب إِلَى زِيَارَة قبر الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِذا ابْن أَخِيه الْملك صَلَاح الدّين يُوسُف هُنَالك فَأمر صَلَاح الدّين بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَلم يُمكنهُ قَتله إِلَّا بعد مُشَاورَة عَمه أَسد الدّين فَانْهَزَمَ أَصْحَاب شاور فأعلموا العاضد لَعَلَّه يبْعَث من ينقذه فَأرْسل العاضد إِلَى الْأَمِير أَسد الدّين يطْلب رَأس شاور فَقتله يُوسُف وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ ففرح الْمُسلمُونَ بذلك وَأمر أَسد الدّين بِنَهْب دَار شاور فنهبت وَدخل على العاضد فاستوزره وخلع عَلَيْهِ خلعة عَظِيمَة ولقبه الْملك الْمَنْصُور فسكن دَار شاور وَعظم شَأْنه هُنَالك قلت وَهَذَا الْوَزير شاور هُوَ أول من استكتب القَاضِي الْفَاضِل استدعي بِهِ من الْإسْكَنْدَريَّة فحظي عِنْده وانحصرت فِيهِ الْكِتَابَة لما رَأَوْا فَضله وفضيلته وَمِمَّا قَالَه عمَارَة اليمني فِي شاور قَوْله من الْكَامِل
(ضَجِرَ الحَدِيدُ مِنَ الحَدِيدِ وشَاورٌ ... فِي نَصْرِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَضْجَرِ)
(حَلَفَ الَّزمَانُ ليَأْتِيَنَّ بِمِثْله ... حَنِثَتْ يَمِينُكَ يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ)
وَلم يزل قَائِما فِي الوزارة إِلَى أَن ثار عَلَيْهِ ضرغام بن سوار كَمَا تقدم ذكره ثمَّ كَانَ قَتله على يَد النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف وَلما اسْتَقر أَسد الدّين بِمصْر كَمَا ذكرنَا أرسل إِلَى الْقصر يطْلب كَاتبا فأرسلوا إِلَيْهِ بِالْقَاضِي الْفَاضِل وَكَانُوا قد أبغضوه أَرْسلُوهُ إِلَيْهِ رَجَاء أَن يُقتل مَعَه إِذا قتل أَسد الدّين شاور فِيمَا كَانُوا يؤملون ثمَّ إِن أَسد الدّين بعث الْعمَّال وأقطع الإقطاعات وَولى للولايات وَفَرح بِنَفسِهِ أَيَّامًا معدودات فأدركه حِمَامُهُ يَوْم السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَكَانَت ولَايَته شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام فَلَمَّا توفّي أَسد الدّين أَشَارَ الْأُمَرَاء الشاميون على العاضد بتولية صَلَاح الدّين
الصفحة 6
608