كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 4)
والثاني: أنه في محلِّ نصبٍ؛ لتعلُّقه بقتال، لكونه مصدراً.
وقال أبو البقاء: كما يتعلَّقُ ب «قِتَالٍ» ولا حاجة إلى هذا التشبيهِ، فإنَّ المصدر عاملٌ بالحَمْلِ على الفعل.
فصل
والضميرُ في «يَسْأَلُونك» قيل للمؤمنين لما يأتي في سبب النزول، ولأن أكثر الحاضرين عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كانُوا مسلمين، فما قبل هذه الآية {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} [البقرة: 214] {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215] حكاية عن المؤمنين، وما بعدها كذلك وهو قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} [البقرة: 219] ، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى} [البقرة: 220] فوجب أن تكون هذه كذلك.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عبَّاسٍ أنه قال: ما رأيتُ قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما سألوه إلاَّ عن ثلاث عشرة مسألةً حتى قُبض، كلهن في القُرآنِ، ومنه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ولكن الصدّ عن سبيل اللهِ، وعن المسجدِ الحرام، والكُفرِ به، أكبرُ من هذا القتالِ. {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ} فبيَّن تعالى أَنَّ غرضهم من هذا السؤال، أَنْ يقاتِلُوا المسلمين، ثم أنزل الله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصَاصٌ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فصرَّح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائزٌ والألف واللامُ في «الشَّهْرِ الحرام» قيل: للعهد، وهو رجبٌ، وقيل: للجنسِ، فيعمُّ جميع الأشهرِ الُحُرُمِ.
قوله: «قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ» جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، محلُّها النصبُ بقُلْ والمعنى: القتال في الشهر الحرام وجازَ الابتداءُ بالنكرةِ لأحدِ وجهينِ:
إمَّا الوصفُ، إذا جعلنا قوله: «فيه» صفةً له.
وإمَّ التخصيصُ بالعمل، إذا جعلناه متعلقاً بقتال، كما تقدَّم في نظيره.
فإِنْ قيل: قد تقدَّم لفظُ نكرة، وأُعيدت من غير دخول ألفٍ ولام عليها، وكان حقُّها ذلك، كقوله تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 15 - 16]
الصفحة 5
560