كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 4)

قِيلَ لَهُ: قَدْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَمَّنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ؟ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ذِي الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ؛ فَإِنْ سَقَطَ الْمَالُ: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَلَمْ تَسْقُطْ الصَّلَاةُ؛ وَإِنْ سَقَطَ الْعَقْلُ أَوْ الْبُلُوغُ: سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَا يَسْقُطُ فَرْضٌ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ فَرْضٍ آخَرَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ، بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى طَهَارَةٍ فَلِيُسْقِطَاهَا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا مِنْ زَرْعِهِمَا وَثِمَارِهِمَا وَلَا فَرْقَ؛ وَلِيُسْقِطَا أَيْضًا عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، فَإِنْ قَالُوا: النَّصُّ جَاءَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ؟ قُلْنَا: وَالنَّصُّ جَاءَ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ، فَأَسْقَطْتُمُوهَا عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ بِآرَائِكُمْ، وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ، إذْ لَمْ يَقِيسُوا زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ عَلَى زَكَاةِ الزَّرْعِ، وَالْفِطْرِ أَوْ فَلْيُوجِبُوهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ -: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْأَرْضِ، يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِهِمَا -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَوَاشِي مِنْ حِينِ اكْتِسَابِهَا إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إلَى حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ بِخُرُوجِ كُلِّ ذَلِكَ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَقَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ.
وَإِنَّمَا الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ أَصْلًا، إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ وَفَسَادُ قَوْلِهِ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَوَجَبَ أَخْذُهَا فِي

الصفحة 9