كتاب أسنى المطالب في شرح روض الطالب (اسم الجزء: 4)

لَيْسَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْكَسْبِ وَالْأَرْشِ فَيَمْنَعُ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إمَّا أَنْ يَرْفَعَ الْكِتَابَةَ وَهُوَ بَاطِلٌ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ أَوْ لَا فَيَبْقَى الْمُكَاتَبُ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ صَحَّ وَكَانَ رِضَاهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَمِنْهُ بَيْعُ بَرِيرَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي صِحَّةُ بَيْعِهِ أَيْضًا مِنْ نَفْسِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَازِمَةٌ فَجَازَ الْبَيْعُ تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَقَدْ يَعْكِسُ هَذَا انْتَهَى، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ وَيَعْتِقُ لَا عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ فَلَا تَسْتَتْبِعُ كَسْبًا وَلَا وَلَدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ النُّجُومِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ (وَلَا هِبَتُهُ) لِمَا مَرَّ (فَإِنْ بَاعَهُ) وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ النُّجُومَ (لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ النُّجُومِ) إلَيْهِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَالْأَصْلُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ فَلَوْ أَدَّى النُّجُومَ إلَى مُشْتَرِيه فَهَلْ يَعْتِقُ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ دَفَعَ النُّجُومَ إلَى مُشْتَرِيهَا (وَ) لَزِمَهُ (أُجْرَةُ) مِثْلِ مُدَّةِ (اسْتِخْدَامه) لِلْمُكَاتَبِ كَغَيْرِ الْمُشْتَرِي. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِاسْتِخْدَامِهِ (وَتُحْسَبُ مُدَّةُ إقَامَتِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَجَلِ) كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ السَّيِّدُ، وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك بِكَذَا أَوْ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِكَذَا أَوْ مَجَّانًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك وَقَدْ مَرَّ فِي الْكَفَّارَاتِ. ذَكَرَهُ الْأَصْلُ.

(وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ) بِبَيْعٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ الَّذِي عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ لُزُومِهِ لِتَطَرُّقِ السُّقُوطِ إلَيْهِ فَالنُّجُومُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَصَحَّحَ الْأَصْلَ هُنَا عَدَمُ صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَا يَدُلُّ لَهُ (وَلَا يَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ النُّجُومِ (إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بِالْإِذْنِ) مِنْ السَّيِّدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَلْفِت بِيَدِهِ ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّهُ، وَإِنْ أَذِنَ فَإِنَّمَا يَأْذَنُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْوَكَالَةِ (فَيُطَالِبُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (السَّيِّدُ بِهَا وَهُوَ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (يَسْتَرِدُّ) هَا (مِنْ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ (وَالسَّيِّدُ مَعَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ) فَيُبَايِعُهُ وَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ فَلْيَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمُعِينِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ هُوَ الْمَالِكُ لِمَا بِيَدِهِ دُونَ السَّيِّدِ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ لِئَلَّا يَعْجَزَ فَيَفُوتُ الْعِتْقُ.
(فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ) بِمُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ النُّجُومُ أَوْ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ (تَقَاصَّا كَمَا) يَأْتِي بَيَانُهُ (فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ فَرْعٌ فِي التَّقَاصِّ) لَا تَقَاصَّ فِي الْأَعْيَانِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي الدُّيُونِ فَإِذَا ثَبَتَ لِكُلِّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ (فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ نَقْدَيْنِ وَاتَّفَقَا جِنْسًا وَحُلُولًا وَصِفَةً سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كُرْهًا) أَيْ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ رِضًا، إذْ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ عِنَادٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى وَارِثِهِ دَيْنٌ وَمَاتَ سَقَطَ وَلَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (وَلَوْ فِي الْحُلُولِ وَالصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ) وَقَدْرِ الْأَجَلِ (أَوْ لَمْ يَكُونَا نَقْدَيْنِ) وَإِنْ كَانَا جِنْسًا (فَلَا تَقَاصَّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى النَّقْدَيْنِ لَيْسَ عَقْدَ مُغَابَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ لِقِلَّةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا فَقَرُبَ فِيهِمَا التَّقَاصُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ) شَمِلَ الْبَيْعَ الضِّمْنِيَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ إلَخْ) وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَارِدٌ عَلَى الرَّقَبَةِ وَالنُّجُومِ، فَلَوْ صَحَّ بَيْعُهَا لَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا عَقْدَانِ يَقْتَضِيَانِ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا بِعِوَضٍ وَذَلِكَ لَا يُعْقَلُ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ صَحَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَانَ رِضَاهُ) أَيْ مَعَ بَيْعِهِ وَقَوْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ مَرْدُودٌ بِمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا وَأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ اسْتَمَرَّتْ الْكِتَابَةُ كَمَا حَكَى عَنْ النَّصِّ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ بَيْعُ بَرِيرَةَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ إذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَحَّ وَارْتَفَعَتْ الْكِتَابَةُ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي إعْتَاقَهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً. اهـ. وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّ بَرِيرَةَ الْمُسَاوِمَةُ بِبَيْعِهَا عَائِشَةُ وَالْمُخْبِرَةُ عَنْ الْعَجْزِ بِطَلَبِهَا أُوقِيَّةً وَرَاضِيَةٌ بِالْبَيْعِ وَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَبَرِيرَةُ سَاوَمَتْ عَائِشَةَ لِمَوَالِيهَا مِنْ ابْتِيَاعِ نَفْسِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا.
الثَّانِي أَنَّهَا عَجَزَتْ فَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ.
الثَّالِثُ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ وَإِلَّا جَازَ وَكَانَ فَسْخًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ ر (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَدْ جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْحُكْمِ الثَّانِي (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِاسْتِخْدَامِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْأَصْلُ هُنَا عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ لِشُمُولِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ) عِبَارَتُهَا وَلَوْ حَلَّ نُجُومُهُ كُلُّهَا وَهِيَ دَنَانِيرُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا مِنْهُ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا يَتَرَاضَيَانِ وَيَقْبِضُهُ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَكَانَ حُرًّا إذَا قَبَضَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْإِذْنِ مِنْ السَّيِّدِ فِيهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَإِلَّا عَتَقَ بِقَبْضِهِ قَطْعًا اهـ وَهُوَ وَاضِحٌ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كُرْهًا) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَدَيْنُهُ مُتَعَيِّنٌ صَرْفُهُ لِنَفَقَتِهِ

الصفحة 493