كتاب أسنى المطالب في شرح روض الطالب (اسم الجزء: 4)

سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ فَفِي الْأُمِّ لَوْ حَرَقَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ مِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً مِثْلَ حِنْطَتِهِ وَالْحِنْطَةُ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ حَالَةَ كَانَتْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحِنْطَةِ جِنَايَةٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ تَخْتَلِفْ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ جَرَيَانِ التَّقَاصِّ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةٍ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ النَّقْدَ بِأَنَّ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ وَرَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى النَّقْدِ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ثَمَّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِجَعْلِ الْحَالِ قِصَاصًا عَنْ الْمُؤَجَّلِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا كَمَا فِي الْحَوَالَةِ كَذَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ، وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ فَفِي الْأُمِّ لَوْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَأَوْجَبَ مِثْلَ النُّجُومِ وَكَانَتْ مُؤَجَّلَةً لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَشَاءَهُ الْمُكَاتَبُ دُونَ سَيِّدِهِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ فَبِرِضَاهُ مَعَ السَّيِّدِ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ فَوَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ التَّقَاصُّ وَعِنْدَ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ وَنَقَلَهُمَا الْأَصْلُ، وَفِي تَنْصِيصِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْحُلُولِ دُونَ التَّأْجِيلِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي لِانْتِفَاءِ الْمُطَالَبَةِ وَلِأَنَّ أَجَلَ أَحَدِهِمَا قَدْ يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ، وَقَالَ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ لَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَشَرْطُ التَّقَاصِّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ فَإِنْ كَانَا سَلَمَيْنِ فَلَا تَقَاصَّ، وَإِنْ تَرَاضَيَا لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُمَا.
قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (فَإِنْ مَنَعْنَا) التَّقَاصَّ فِي الدَّيْنَيْنِ (وَهُمَا نَقْدَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ (فَالطَّرِيقُ) فِي وُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (أَنْ يَأْخُذَ) أَحَدُهُمَا (مَا عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ يَجْعَلَ الْمَأْخُوذَ) إنْ شَاءَ (عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ وَيَرُدَّهُ إلَيْهِ) لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ (وَلَا حَاجَةَ) حِينَئِذٍ (إلَى قَبْضِ) الْعِوَضِ (الْآخَرِ أَوْ) هُمَا (عَرْضَانِ) مِنْ جِنْسَيْنِ (فَلْيَقْبِضْ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ قَبَضَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَرْضٍ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَهُوَ مُمْتَنِعٌ (إلَّا إنْ اُسْتُحِقَّ) ذَلِكَ الْعَرْضُ (بِقَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ لَا عَقْدٍ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ فِيهِ ثَمَنًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ لَا عَقَدَ لِدُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا) وَالْآخَرُ عَرْضًا (وَقَبَضَ الْعَرْضَ مُسْتَحِقُّهُ جَازَ) لَهُ (رَدُّهُ) عِوَضًا (عَنْ النَّقْدِ) الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ سَلَّمَ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا إنْ قَبَضَ النَّقْدَ مُسْتَحِقُّهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ عِوَضًا عَنْ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ (إلَّا) إنْ اُسْتُحِقَّ الْعَرْضُ (فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْإِتْلَافِ أَوْ كَانَ ثَمَنًا (وَإِنْ امْتَنَعَ التَّقَاصُّ وَامْتَنَعَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَدَايِنَيْنِ (مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ) لِمَا عَلَيْهِ (حَبَسَا) حَتَّى يُسْلِمَا كَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْمُكَاتَبَ يَحْبِسَانِ إذَا امْتَنَعَا مِنْ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي تَسْتَمِدُّ مِنْ الشَّامِلِ كَالْبَحْرِ وَحُلْيَةِ الشَّاشِيِّ وَبَيَانِ الْعِمْرَانِيِّ، وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا أَدْفَعُ مَا عَلَيَّ حَتَّى أَقْبِضَ مَالِي كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَبْسُ مَا لِصَاحِبِهِ عَلَى حَقِّهِ وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا فِي تَقْدِيمِ الْقَبْضِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَا وَقَعَ فِي الشَّامِلِ مِنْ إيهَامِ الْحَبْسِ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ تَحْرِيفٌ مِنْ نَاقِلٍ وَأَمَّا حَبْسُ السَّيِّدِ أَوْ الْمُكَاتَبِ فَلَا وَجْهَ لَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّ حَبْسَهُمَا بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا يُنَابِذُ مَا قَالَهُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعَا مِنْ تَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ أَمَّا لَوْ امْتَنَعَا مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهِمَا مِمَّا مَرَّ فَلَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ.

(فَرْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) مِنْ السَّيِّدِ (بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ) وَإِنْ عَجَّزَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدِ الْغَيْرِ (فَإِنْ عَلَّقَهَا بِتَعْجِيزِهِ وَعَوْدِهِ رَقِيقًا صَحَّتْ) كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ نَخْلَتِهِ وَحَمْلِ جَارِيَتِهِ وَكَمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْوَصَايَا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَعَوْدِهِ رَقِيقًا (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ النُّجُومِ فِي هَذِهِ (وَأَنْظَرَهُ الْوَارِثُ فَلِلْمُوصَى لَهُ تَعْجِيزُهُ) لِيَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رَقَبَتَهُ فَلَهُ التَّوَصُّلُ إلَى حَقِّهِ بِتَعْجِيزِهِ وَالْوَارِثُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُعَجِّزُهُ الْمُوصَى لَهُ (بِالْقَاضِي) أَيْ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالنُّجُومِ) الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً كَمَا تَصِحُّ بِالْحَمْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فِي الْحَالِ (فَيَأْخُذُهَا الْمُوصَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا هُنَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ تَقَيُّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ) كَأَنْ يَقُولَ جَعَلْت مَا وَجَبَ لِي قِصَاصًا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُطَالَبَةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَنْ بَاعَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالْفَلْسِ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ أَجَرَهُ بِأَجْرٍ فِي ذِمَّتِهِ عَالِمًا بِحَجْرِهِ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُعَامَلَةٍ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ أَنَّهُ لَا تَقَاصَّ لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ وَعَدَمِ مُطَالَبَتِهِ لِلْمَدْيُونِ بِهِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ التَّقَاصِّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَفَرُ الْمُسْتَحِقِّ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ إلَّا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْقَاضِي إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ دَيْنِ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّيِّدَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا حَبْسُ السَّيِّدِ أَوْ الْمُكَاتَبِ فَلَا وَجْهَ لَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا فِي بَابِ جَامِعِ آدَابِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ الطَّرَفِ الثَّانِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُحْبَسُ لِلنُّجُومِ وَلَا لِغَيْرِهَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ فَظَاهِرٌ أَنَّ حَبْسَهُمَا مِمَّا ذُكِرَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

الصفحة 494