كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 4)

اثْنَانِ لِآخَرَ ضَمِنَّا مَا لَك عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا لَوْ قَالَا: رَهَنَّا عَبْدَنَا هَذَا بِأَلْفٍ لَك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ مُعَلِّلَا لَهُ بِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ وَالْبُلْقِينِيُّ وَأَفْتَى بِهِ فُقَهَاءُ عَصْرِ السُّبْكِيّ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَشَغْلُ ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْبَدْرُ بْنِ شُهْبَةٌ عِنْدَ دَعْوَى أَحَدِ الضَّامِنَيْنِ ذَلِكَ وَحَلِفِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَبِالتَّبْعِيضِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ الْمُشَبَّهِ بِهَا أَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مَرْهُونَةٌ بِالنِّصْفِ فَقَطْ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) الضَّمَانُ، وَمِثْلُهُ الْكَفَالَةُ (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَاهُ.
وَالثَّانِي يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الضَّمَانِ وَالشَّرْطِ لِخَبَرِ جَابِرٍ فِي «ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ حَيْثُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِك وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ، فَقَالَ نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

(وَلَوْ) (أَبْرَأَ الْأَصِيلَ) أَوْ بَرِئَ بِنَحْوِ اعْتِيَاضٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ أَدَاءٍ، وَإِنَّمَا آثَرَ لَفْظَ أَبْرَأَ لِتَعَيُّنِهِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ (بَرِئَ الضَّامِنُ) وَضَامِنُهُ وَهَكَذَا لِسُقُوطِ الْحَقِّ (وَلَا عَكْسَ) فَلَوْ بَرِئَ الضَّامِنُ بِإِبْرَاءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ، وَلَا مَنْ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَذَا فِي كَفِيلِ الْكَفِيلِ وَكَفِيلِهِ وَهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ بِنَحْوِ أَدَاءً، وَلَوْ قَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ الضَّامِنُ فَإِنْ قَصَدَ إبْرَاءَهُ بَرِئَ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ بَرِئَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.
قَالَ: وَيُصَدَّقُ الْمَضْمُونُ لَهُ فِي أَنَّ الضَّامِنَ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ إلَّا إنْ قَصَدَ إسْقَاطَهُ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ

(وَلَوْ) (مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَوْ اُسْتُرِقَّ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ (حَلَّ عَلَيْهِ) لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ (دُونَ الْآخَرِ) فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ لِارْتِفَاقِهِ بِالْأَجَلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَصِيلَ، وَلَهُ تَرِكَةٌ فَلِلضَّامِنِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَحِقِّ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَوْ يُبْرِئَهُ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهَا، فَلَا يَجِدُ مَرْجِعًا إذَا غَرِمَ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ إذْ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْ قَبْلَ غُرْمِ الضَّامِنِ كَأَنْ قَالَ بِيعُوا مَالَ الْمُفْلِسِ وَوَفُّوا مِنْهُ مَا يَخُصُّ دَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ غَرِمْته، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يُقَدَّمُ بِدَيْنِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: لِلْأَوَّلِ) أَيْ مُطَالَبَةُ كُلٍّ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ

(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي الضَّمَانِ، وَيُصَوَّرُ فِي الْكَفَالَةِ بِإِبْرَاءِ كَفِيلِ الْكَفِيلِ بِأَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ قَبْلُ بَرِئَ
(قَوْلُهُ: هُمَا عَلَيْك) الَّذِي مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي ضَمِنَهُ أَبُو قَتَادَةَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ) يَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْبَرَاءَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْتَنِي فَقَالَ نَعَمْ، فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قِيلَ لَهُ الْتِمَاسًا طَلَّقْت زَوْجَتَك فَقَالَ: نَعَمْ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ ضَمِنْت لِي مَا عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ: نَعَمْ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ
(قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ قَبِلَهُ) أَيْ الضَّامِنِ الْمُبْرَأِ
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ أَدَاءً) أَيْ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ بِأَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ عُرْفًا بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا (قَوْلُهُ لَمْ يَقْبَلْ) أَيْ الْإِقَالَةَ
(قَوْلُهُ: عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ إبْرَاءَ الضَّامِنِ وَحْدَهُ أَوْ لِتُرَاضِي أَوْ ارْتَدَّ وَاتَّصَلَتْ رِدَّتُهُ بِالْمَوْتِ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ وَلَا مَنْ قَبْلَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَإِنْ ضَمِنَ بِهِ أَوْ كَفَلَ آخَرُ وَبِالْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا طَالَبَهُمْ، فَإِنْ بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرَءُوا أَوْ غَيْرُهُ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدُ لَا مَنْ قَبْلُهُ انْتَهَتْ
.

الصفحة 459