كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 4)

خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» .
لِأَنَّا نَقُولُ: الْحِلُّ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ بِمَا مَرَّ عِنْدَ تَفَرُّقِهِمَا بِالِاخْتِيَارِ، فَلَوْ حُمِلَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا بِغَيْرِ حَقٍّ بَقِيَ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَدَّ فَمُهُ وَكَانَ الْمَبِيعُ رِبَوِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ فِعْلِهِ لَا خِيَارُ صَاحِبِهِ إنْ لَمْ يَتْبَعْهُ مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ وَإِلَّا بَقِيَ، وَإِنْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُمَا مُطْلَقًا لِتَمَكُّنِ غَيْرِ الْهَارِبِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَكَأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ أَنَّ غَيْرَ الْهَارِبِ لَوْ كَانَ نَائِمًا مَثَلًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَعِنْدَ لُحُوقِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَلْحَقَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً، وَإِلَّا سَقَطَ خِيَارُهُ لِحُصُولِ التَّفَرُّقِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْبَسِيطِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي مِنْ ضَبْطِهِ بِفَوْقِ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ أَوْ انْعِزَالِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَوِيَةُ الطَّرَفَيْنِ) أَيْ فَتَكُونُ الْمُفَارَقَةُ بِقَصْدِ ذَلِكَ مَكْرُوهَةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ مَكْرُوهًا لِجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ مُفَارِقَتُهُ لِذَلِكَ بَلْ لِغَرَضِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بَقِيَ خِيَارُهُ) فَلَوْ زَالَ الْإِكْرَاهُ كَانَ مَوْضِعُ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ كَمَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُفَارِقًا لَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ زَالَ الْإِكْرَاهُ فِي مَحَلٍّ يُمْكِنُهُ الْمُكْثُ فِيهِ عَادَةً، أَمَّا لَوْ زَالَ وَهُوَ فِي مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الْمُكْثُ فِيهِ عَادَةً كَلُجَّةِ مَاءٍ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ بِمُفَارِقَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ مَحَلِّهِ لِلْجُلُوسِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّاطِئَيْنِ لِلْبَحْرِ أَقْرَبَ مِنْ الْآخَرِ فَهَلْ يَلْزَمُ قَصْدُهُ حَيْثُ لَا مَانِعَ أَوَّلًا وَيَجُوزُ لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ بَعُدَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا لَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لَا لِغَرَضٍ حَيْثُ كَانَ الْأَظْهَرُ فِيهِ عَدَمَ التَّرَخُّصِ انْقِطَاعَ خِيَارِهِ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْمَبِيعُ) مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ لَا خِيَارَ) أَيْ فَلَا يَبْقَى (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَقِيَ) وَانْظُرْ مَا لَوْ زَالَ إكْرَاهُهُ بَعْدُ هَلْ يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ عَقِبَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ لِيَتْبَعَ صَاحِبَهُ أَوْ لَا، وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ إذَا عُرِفَ مَحَلُّهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقَطِعَ خِيَارُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْهَارِبِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ الْكَاتِبَ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ إلَّا بِانْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ مُخْتَارًا أَمَّا لَوْ هَرَبَ خَوْفًا مِنْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ قَاصِدٍ لَهُ بِسَيْفٍ مَثَلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إكْرَاهٌ عَلَى خُصُوصِ الْمُفَارَقَةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إجَابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْقَطِعُ بِهَا الْخِيَارُ إذَا فَارَقَ مَجْلِسَهُ لَهَا (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْهَارِبِ (قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْهَارِبِ لَوْ كَانَ نَائِمًا إلَخْ) وَخِيَارُ الْمُلْتَصِقَيْنِ إنَّمَا يَنْقَطِعُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ لَا بِمُفَارِقَتِهِمَا مَجْلِسَ الْعَقْدِ اهـ الْخَطِيبُ.
أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِمُفَارِقَتِهِ مَجْلِسَهُ مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ نَفْسِهِ وَمُوَلِّيهِ أَنَّ مُوَلِّيهِ مُفَارِقٌ لَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ حَقِيقَةً فَكَانَ قَبُولُهُ عَنْهُ نِيَابَةً مَحْضَةً، فَإِذَا فَارَقَ مَجْلِسَهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ مُفَارَقَةِ مُوَلِّيهِ لِكَوْنِ الْحَاصِلِ عَنْهُ مُجَرَّدَ نِيَابَةٍ فِي الصِّيغَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُلْتَصِقَانِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بِفَوْقِ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَوْنُ قَضِيَّةِ الْخَبَرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ يُقَالُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَرِفَ بِكَوْنِ قَضِيَّتِهِ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ الْخَبَرِ ثُمَّ يُجِيبُ بِالْحَمْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ خَشْيَةً مِنْ فَسْخِ صَاحِبِهِ فَهُوَ الْمُرَادُ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا آثَرَهَا لِيُوَافِقَ لَفْظَ الْخَبَرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا: أَيْ فَإِنْ تَفَرَّقَا انْقَطَعَ الْخِيَارُ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، أَيْ بِأَنْ شَرَطَاهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ) يَعْنِي: بُطْلَانَ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ اتِّبَاعِهِ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: نَائِمًا مَثَلًا) أَيْ: كَأَنْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا مُكْرَهًا؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ

الصفحة 9