كتاب التلخيص الحبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ الْخَلَّالِ فِي "الْعِلَلِ" أَنَّهُ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا، لَيْسَ فِيهَا طَرِيقٌ صَحِيحٌ1، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَصِحَّ.
1736- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: "يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى مِنْ أُمَّتِي"؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ"، الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ2، وَفِي لَفْظِ: "وَلَا يُدَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ"، وَزَادَ: "وَلَا يُغْنَمُ فَيْئُهُمْ"، سَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ضَعِيفٌ.
قُلْت: فِي إسْنَادِهِ كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ3، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ.
قَوْلُهُ: "إنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالُوا لَهُ: أُمِرْنَا بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَنَا، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ، عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} -إلَى قَوْلِهِ- {سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] قَالُوا: وَصَلَوَاتُ غَيْرِهِ لَيْسَتْ سَكَنًا لَنَا، انْتَهَى".
أَمَّا قِتَالُ أَبِي بَكْرٍ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ فَمَشْهُورٌ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَأَمَّا هَذَا السَّبَبُ فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ.
قَوْلُهُ: "إنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ أَصْحَابَ الْجَمَلِ، وَأَهْلَ الشَّامِ وَالنَّهْرَوَانِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ بعد الاستيلاء مَا أَخَذُوهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي التَّوَارِيخِ الثَّابِتَةِ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ تَكْلِيفِ إيرَادِ الْأَسَانِيدِ لَهُ، وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ هِشَامٍ وَعَبَّادٍ أَنَّهُمَا أَنْكَرَا وقعة "الْجَمَلِ" أَصْلًا وَرَأْسًا؛ وَكَذَا أَشَارَ إلَى إنْكَارِهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي "الْعَوَاصِمِ"، وَابْنُ حَزْمٍ، وَلَمْ يُنْكِرْهَا هَذَانِ أَصْلًا وَرَأْسًا؛ وَإِنَّمَا أَنْكَرَا وُقُوعَ الْحَرْبِ فِيهَا عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ لِمَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ4.
فَائِدَةٌ: كَانَتْ وَقْعَةُ "الْجَمَلِ" فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ "صَفِّينَ" فِي رَبِيعٍ
__________
1 ينظر: "العلل المتناهية" لابن الجوزي [2/ 848] .
2 أخرجه الحاكم [2/ 155] ، والبيهقي [8/ 182] ، كتاب قتال أهل البغي: باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم ولم يقتل أسيرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يستمتع بشيء من أموالهم.
3 قال أبو زرعة: ضعيف.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيء.
وقال الدارقطني وغيره: متروك.
ينظر: "ميزان الاعتدال" [5/ 504] .
4 قال العلامة اللقاني في "جوهرته": [الرجز] . =

الصفحة 125