كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

وإذا أراد الحاكم بيع ماله-: يستحب أن يبيع بحضرته، أو يحضره وكيله؛ لثلاث معان: ليكون أبعد من التهمة، وليخبر بعيب إن كان به حتى لا يرد، وليخبر بما اشترى؛ فيكون المشتري أشد رغبة في شرائه، وكذلك في بيع الرهن، ويقدم بيع المرهون في حق المرتهن وبيع العبد الجاني في حق المجني عليه؛ لتعجيل حق المرتهن والمجني عليه من ثمنه، فإن فضل من شيء ضم الفضل إلى سائر أمواله لسائر الغرماء، وإن بقي من دين المرتهن شيء تحاص الغرماء فيه، هذا إذا رهن وسلم قبل الحجر.
أما إذا رهن بعد الحجر، أو رهن قبل الحجر، وسلم بعده-: لم يصح، ويكون جميع الغرماء فيه سواء، ويبدأ ببيع ما يخاف عليه الفساد من ماله من طعام رطب وشواء ونحوه، ثم يبيع الحيوان؛ لأنه يحتاج إلى النفقة، ويخشى عليه الهلاك، ويؤخر بيع العقار والمساكن؛ فإنه لا يخشى عليه الهلاك والسرقة.
ويباع كل شيء في سوقه؛ لأن كل شيء يطلب في موضعه، ويجب أن يبيع بثمن المثل نقداً، فلو باع نسيئة: لم يصح، وإذا باع نقداً: لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن، فإن فعل ضمن، وما حصل من أثمان ماله إلى أن يقسمه يقرضه من مليٍّ أمين، إن وجد، فإن لم يجد يقول للغرماء: ارتضوا بمن يوضع الأثمان على يديه فيمن ينادي على الأمتعة في السوق، فإن فعلوا؛ وإلا يختار الحاكم أميناً لذلك الأمر، وفي الإيداع: يشرط الأمانة، ولا يشرط الملاءة؛ بخلاف القرض: فيشرط فيه الأمانة والملاءة، ورزق المنادي والدلال من بيت المال؛ لأنه مال المصالح، وهم يقومون بمصالح المسلمين، فإن لم يكن في بيت المال مال، فمن مال المفلس؛ وكذلك: أجرة الكيال والوزان والحمال وكراء البيت الذي يوضع فيه مال المفلس مقدماً على سائر الغرماء؛ لأنه لتحصيل مال المفلس لحق الغرماء، فلو لم يقدر لم يرغب أحد في تحمل تلك المؤن، وإن وجد الحاكم من يتطوع بشيء من ذلك لم يجز إعطاء الأجرة، وما تلف من ثمن متاع في يد الأمين-: فهو في ضمان المفلس، سواء تلف في حياة المفلس أو بعد موته.
وعند أبي حنيفة: إن تلف بعد موته-: فمن ضمان الغرماء.
وإذا باع الحاكم ماله في حياته وبعد موته، وأخذ الثمن، وتلف، ثم خرج المبيع مستحقاً-: يرجع المشتري بالثمن في مال المفلس، ولا يكون الحاكم طريقاً فيه، ولو نصب الحاكم أميناً يبيعه، ثم خرج مستحقاً بعد تلف الثمن، هل يكون الأمين طريقاً في الضمان؟ فيه وجهان:

الصفحة 105