كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

عليه، ثم انهدمت الدار في أثناء المدة-: فالمكتري يرجع على المفلس بأجرة ما بقي، وهل يشارك الغرماء- نُظر، إن انهدمت قبل قسمة المال بين الغرماء-: يشاركهم فيه، وإن انهدمت بعد قسمة المال، هل يشاركهم فيما اقتسموا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه دين-: وجب بعد القسمة؛ كما لو استقرض مالاً بعد القسمة.
والثاني: يشاركهم وهو الأصح؛ لأنه دين وجب بسبب يستند على ما قبل الحجر، وهو الإجارة؛ فصار كما لو انهدمت الدار قبل القسمة، وليس كالقرض؛ لأنه لا مستند بثبوته إلى ما قبل الحجر؛ بدليل أن المقرض لا يشارك الغرماء في المال قبل القسمة، والمكتري يشاركهم قبل القسمة، ويشاركهم بعدها.
فصلٌ في بيان دعوى الورثة
إذا مات رجل، وعليه دين، فادعى وارثه من جهته على إنسان ديناً، وأقام شاهداً، وحلف معه-: ثبت الدين؛ ولو لم يحلف، هل للغريم أن يحلف؟ فيه قولان:
قال في الجديد- وهو الأصح-: لا يحلف؛ لأن للغريم حقاً في مال هو ثابت للميت، فأما أن يثبت له مالاً بيمينه فلا؛ كما لو أوصى له بشيء، فمات قبل القبول، ولم يقبل وارثه: لا يصح قبول الغريم.
وفي القديم: له أن يحلف؛ لأن له حقاً في تركته كالوارث، وكذلك: لو لم يكن للوارث شاهداً، ونكل المدعى عليه عن اليمين، ولم يحلف الوارث، هل للغريم- أن يدعي؟ فعلى هذا الاختلاف: فإن قلنا: يحلف الغريم لا يحلف إلا على قدر حقه.
أما المفلس إذا ادعى ديناً على إنسان، وأقام شاهداً، ولم يحلف، ونكل المدعى عليه، ولم يحلف المفلس يمين الرد-: فهل للغريم أن يحلف؟
اختلف أصحابنا فيه:
منهم من قال: فيه قولان، كما في غرماء الميت، ومنهم من قال: غريم المفلس لا يحلف قولاً واحداً؛ لأن الحق ثبت للمفلس، فامتناعه عن اليمين يورث ريبة في ثبوته؛ فلم يكن للغريم أن يحلف، وفي غريم الميت: ثبت الحق للميت، فهو لم يمتنع عن اليمين، والغريم والوارث سواء في الإطلاع عليه، فلما جاز للوارث أن يحلف- جاز للغريم، لأنهم غرماء الميت.
باب حبس المفلس
قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].

الصفحة 108