كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

"المضاربة" وهي لغة أهل العراق، وبكل لفظ يدل على معناه.
ولا يجوز إلا على الدراهم والدنانير؛ لأنهما ثمنان للأشياء في كل مكان وزمان، وقل ما يختلفان، ولأن موضوع القراض على أن يرد العامل رأس المال، ويشتركان في الربح؛ فلا يأخذ العامل شيئاً من رأس المال، ولا يستبد أحدهما بالربح.
وإذا عُقد على عرض- فلا يخلو عن أحد هذين.
بيانه: إذا دفع إليه عرضاً قيمته دينار، فتصرف فيه، وربح عليه عشرة، وارتفعت قيمة العرض، فبلغت عشرة: يحتاج العامل إلى أن يصرف جميع الربح في تحصيل رأس المال؛ فيأخذ المالك جميع الربح، وفيه إضرار بالعامل.
وإن كانت قيمة العرض عشرة، فانتقصت قيمته بحيث يوجد مثله بشيء يسير، فيشتريه ويرده، ويشارك رب المال في الباقي، فيأخذ العامل بعض رأس المال، وفيه إضرار برب المال، وهذا لا يوجد في الأثمان؛ لأنها لا تقوم بغيرها.
ولا يجوز على التبر والحلي ولا السبائك ولا الفلوس ولا على الدراهم والدنانير المغشوشة؛ لأنها نقد وعرض؛ فتزيد قيمتها: وتنقص فهي كالسلعة.
وعند أبي حنيفة- رحمة الله عليه: يجوز على النقد المغسوس في كل بلد جرت المعاملة بها.
ويشترط أن يكون رأس المال معلوم الوصف والوزن؛ فإن كان جزافاً: لم يجز؛ بخلاف رأس مال السلم: يجوز أن يكون جزافاً؛ على أحد القولين؛ لأنه لا يعقد للفسخ؛ وعقد القراض يعقد للفسخ والتمييز بين رأس المال والربح، وإن كان جزافاً: لا يمكن التمييز.
وكذلك: لو جعل رأس مال القراض سكنى دار: لم يجز، بخلاف السلم؛ لأن تعيين رأس مال القراض شرط، ولم يوجد، وفي السلم: تسليم رأس المال شرط، وتسليم الدار كتسليم السكنى.
ولو قارضه على دراهم في الذمة، ثم عين في المجلس: لم يجز؛ بخلاف السلم.
ولو دفع إليه كيسين في كل واحد منهما ألف درهم، فقال: قارضتك على أحدهما، وأودعتك الآخر- فيه وجهان:

الصفحة 378