كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

باب تضمين الأجراء
من استأجر شيئاً؛ لينتفع به: فهو أمانة في يده لا يضمن إلا بالتعدي.
أما إذا استأجر رجلاً؛ ليعمل له عملاً في عين: فالمال في يد الأجير، هل يكون مضموناً عليه؟ نُظر:
إن لم ينفرد الأجير باليد؛ بأن قعد المستأجر عنده، حتى عمل أو حمل الأجير إلى بيته ليخبز له في تنور، أو ليختن غلامه، أو يحجمه أو يبزغ دابته، أو يقصر، أو يخيط له ثوباً، أو ليرعى غنمه في ملكه، أو ليتعلم عنده القرآن، أو حرفة عنده: فلا يكون مضموناً عليه؛ وكذلك: لو حمل تلميذاً إلى حانوته ليتلمذ له في بيع أو غيره: فلا تكون يده يد ضمان.
وإن انفرد الأجير باليد؛ بأن سلم المال إليه؛ ليعمل فيه عمله نُظر: إن كان الأجير مشتركاً، وهو الذي يعمل له ولغيره؛ كالقصار الذي يقصر لكل أحد، والملاح الذي يحمل لكل أحد: قال الشافعي- رضي الله عنه-: فيه واحد من قولين: اختلف أصحابنا فيه:
منهم من قال: المسألة على قولين:
أحدهما: يكون مضموناً عليه، وهو قول مالك وابي يوسف موحمد- رحمة الله عليهم-: لأنه أخذه لحظ نفسه؛ وهو تفريغ ذمته عن العمل؛ كالمستعير والمستأجر.
والثاني- وهو الأصح، واختاره المزني- رحمة الله عليه-: لا يكون مضموناً عليه؛ لأنه أخذه لمنفعته ومنفعة المالك؛ فلا يلزمه الضمان؛ كالمضارب.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه الضمان قولاً واحداً، قال الربيع: كان الشافعي- رضي الله عنه- يرى أن الأجراء لا يضمنون غير أنه كره أن يبوح به؛ مخافة صناع السوء، وكان يرى أن القاضي يقضي بعلم نفسه غير أنه كره أن يبوح به مخافة قضاة السوء.
قول الشافعي- رضي الله عنه-: "فيه واحد من قولين" أراد به: الرد على أبي حنيفة؛ فإنه يقول: إذا تلف في يده بآفة سماوية أو سرق: لا ضمان عليه، وإن تلف بفعل مأذون فيه؛ بأن دق دق مثله، فتحرق: يضمن، فقال: لا يجوز فيه إلا واحد من قولين.
أما ما قلت- وهو: أنه لا يضمن، أو ما قال أبو يوسف: أنه يضمن بكل حال: فإما

الصفحة 466