كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

وقيل: لا يزعج ما لم يعطله باجتيازه؛ لأنه لا يصل إلى النيل إلا بمشقة؛ فكان مقدماً على من جاء بعده؛ بخلاف المعادن الظاهرة، ولأن في الظاهر: يمكنه أخذ حاجته دفعة واحدة؛ فلا يحتاج إلى طول المكث؛ بخلاف الباطن.
وإذا بادر إليه رجلان: فإن وسعهما: أخذا معاً، وإن ضاق المكان: فيه وجهان:
أحدهما: يقرع بينهما.
والثاني: يقدم السلطان أيهما يشاء.
وقيل: يقسم بينهما؛ وعلى هذا القول: هل يجوز للسلطان إقطاع هذه المعادن؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز؛ كما لا يملك بالإحياء.
والثاني: وهو الأصح: يجوز؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أراد إقطاع ملح مأرب، وإنما تركه حين أخبر أنه كالماء العد؛ [فدل] أن ما كان باطناً: يجوز إقطاعه، وقد يجوز إقطاع ما لا يملك بالإحياء؛ كمقاعد الأسواق، ويجوز للرجل أن يعمل فيه من غير إذن، ولا إقطاع من الإمام؛ لأنه إما أن يكون كالأرض أو كالمعدن الظاهر، ويجوز العمل، في كل واحد منهما من غير إقطاع، وليس لأحد أن يتحجر هذه المعادن وفي المواضع التي يعمل فيه، ولا أن يتحجر مكاناً واسعاً.
ولو عمل في معدن، فجاء آخر، وأخرج منه النيل قبل تركه: إن قلنا: ملكه الأول: له أن يسترده؛ وإلا فوجهان؛ كفرخ الطائر.
ولو كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت ودخلها الماء- ظهر فيها الملح-: جاز للسلطان إقطاعها.
ولو حفرها رجل، وجمع فيها الماء، وظهر الملح- يملكها؛ كالأرض يحييها؛ لأنه يوصل إليه المؤنة والعمل.
ولو وجدت قطعة ذهب على إثر سيل قطعها من الجيل: فحكمها حكم المعادنا لظاهرة؛ لأنه حصل من غير عمل أحد؛ فمن أخذها فهي له.
ولو عمل في معدن من المعادن الباطنة في الجاهلية: فهل يجوز للسلطان إقطاعه؟ فيه ثلاثة أقوال:

الصفحة 498