كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

أما إذا كان حيواناً لا يمتنع من صغار السباع؛ كالشاة والعجل والفصيل والكسير: فيجوز له أخذها؛ سواء وجدها في المفازة أو في العمران؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "هي لك أو لأخيك أو للذئب يريد: أنها طعمة لكل أحد، فإن أخذتها أنت؛ وإلا أخذها غيرك، أو أكلها الذئب، ثم إن وجدها في المفازة: فهو بالخيار بين أن يمسكها ويعرفها حولاً؛ ثم يملكها، وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها، ويعرفها حولاً، وإنما يعرف الحيوان لا الثمن، ثم بعد الحول: يتملك الثمن، وبين أن يذبحها إن كان مأكولاً.
ويغرم قيمتها، ولو باع جزءاً منها، فأنفق على نقلها إلى البلد للتعريف: جاز، وإن وجدها في العمران في قرية أو قريب منها: فيتخير بين أن يعرفها سنة، ثم يتملكها، أو بين أن يبيعها ثم يعرفها، وهل يجوز له الأكل؟ فيه قولان:
أحدهما: له ذلك، ويغرم قيمتها؛ كما لو وجد في الصحراء.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأن البيع ممكن في العمران، وفي الصحراء: ربما لا يجد من يشتريه، وفي حمله إلى البلد مشقة عليه؛ فجوزنا له الأكل.
وفي الجملة: الإمساك والتعريف أولى من البيع؛ لأنه يجري فيه على سنة اللقطة، والبيع أولى من الأكل؛ لأنه إذا أكل يستبيحها قبل الحول، وإذا باع لا يملك الثمن إلا بعد الحول؛ فكان البيع أشبه بأحكام اللقطة.
وإذا أمسكها على مالكها، تبرع بالإنفاق عليها: لا يرجع بما أنفق على مالكها، وإن أراد الرجوع: فلا يمكنه أن ينفق إلا بإذن الحاكم؛ فحينئذ: يرجع، فإذا باعها: فله أن يبيعها بنفسه، وإن لم يكن هناك حاكم، وإن كان هناك حاكم: هل يحتاج إلى إذنه في البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحتاج إلى إذنه؛ لأ، الولاية له على المسلمين.
والثاني: لا يحتاج إلى إذنه؛ لأن الملتقط قام مقام المالك في الأخذ والحفظ؛ كذلك: يقوم مقامه في البيع:
فحيث جوزنا له الأكل، فأكل: فهل يلزمه التعريف بعده؟ فيه وجهان:
أصحهما: يجب التعريف؛ كما لو باعه.
والثاني: لا يجب، لأن كل حالة أبيح له أكل اللقطة: لا يلزمه التعريف؛ كما بعد الحول.

الصفحة 557