كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

وإذا أفلس، وقد مضى بعض المدة في المدة الباقية فلا يفسخ في المدة الماضية؛ لأنها كالتالفة، ويضارب الغرماء بما يقابل المدة الماضية من الأجر المسمى، كما لو باع عبدين، فتلف أحدهما، ثم أفلس-: فإنه يضارب بثمن ما تلف، ويفسخ فيما بقي-: فإن فسخ الإجارة، والأرض مشغولة بزرع المكتري-: فإن قلع المفلس والغرماء الزرع- أخذ الأجراء الأرض؛ فإن لم يقلعوا ليس للآجر قلعه، بل يتركه إلى أوان الحصاد بأجر المثل.
ويقدم حقه في أجر المثل على الغرماء؛ لأن تحصيل مال المفلس كأجرة الدلال والكيال في بيع ماله: فإن لم يقدموا حقه له قلعه مجاناً، وكذلك: لو اكترى دابة، فأفلس المكتري في خلال الطريق، وفسخ المكري الإجارة-: ليس له ترك متاعه في المفازة؛ بل يحمله إلى موضع الأمن بكراء المثل، ويقدم فيه حقه على الغرماء، ويستحق لما مضى قبل الفسخ بقدر من المسمى، ويضارب الغرماء، وإن أراد بعض الغرماء قطع الزرع قبل أوان الحصاد تعجيلاً لحقوقهم، وأراد بعضهم التبقية-: يقدم قول من يريد القطع إلا أن يكون له قيمة فلا يقطع، فإن كان الأجر لم يأخذ أجره المدة الماضية-: فهو كواحد من الغرماء-: له أن يقطع الزرع-: إن كانت له قيمة، ولا يؤخره إلى الإدراك، فإن اتفقوا على ترك الزرع إلى الحصاد، أو ترك الثمرة إلى الجذاذ-: تكون مؤنة السقي في مال المفلس، فإن تطوع به، وأخذ من الغرماء-: لم يرجع عليه بشيء، وإن لم يتطوع، فطلب الأجرة-: يقدم حقه على سائر الغرماء، وإن اتفقوا جميعاً فهم سواء، ولو أفلس المستأجر، والأرض فارغة-: لم يفسخ الأجير الإجارة، بل يؤاجرها الحاكم على المفلس، والآجر يضارب الغرماء بأجرته.
ولو أسلم في شيء، ثم أفلس المسلم إليه-: فللمسلم فسخ العقد، إن كان رأس ماله قائماً، ويأخذه، وإن كان تالفاً-: فلا فسخ له، ويضارب الغرماء بالمسلم فيه، فإن لم يكن في ماله من جنس المسلم فيه كما يخصه من مال المفلس-: يشتري به المسلم فيه، وإن كان المسلم فيه منقطعاً، ورأس ماله تالف، وقلنا بالانقطاع-: لا ينفسخ العقد، فأفلس المسلم إليه، هل للمسلم فسخ العقد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا فسخ له؛ لأنه يحتاج في الحالين إلى مضاربة الغرماء: إن فسخ فبرأس المال، وإن لم يفسخ فبالمسلم فيه.
والثاني: له الفسخ؛ لأن له فيه فائدة، وهو أن ما يخصه من مال المفلس يسلم إليه من جهة رأس المال؛ فإن لم يفسخ لا يسلم إليه؛ بل يوقف ليشتري به المسلم فيه.
فلو قسم مال المفلس، وأفرد نصيبه، ثم هاج بالمسلم فيه-: رخص بحيث يوجد بما خصه جميع المسلم فيه؛ ليشتري ويسلم غليه، وإن كان توفير حقه دون سائر الغرماء؛ لأن الاعتبار بيوم القسمة، وإن تلف المقرر باسمه-: كان من ضمان المفلس، وحق المسلم في

الصفحة 99