كتاب تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (اسم الجزء: 4)
بلغة أهل اليمن فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال أبو جهل تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد فقال الله تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ أي في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها طَلْعُها أي ثمرها سمي طلعا لطلوعه كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبهها لقبحهم عند الناس.
فإن قلت قد شبهها بشيء لم يشاهد فكيف وجه التشبيه.
قلت إنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم يشاهدوا فكأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح المنظر والعرب إذا رأت منظرا قبيحا قالت كأنه رأس شيطان قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
شبّه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها وقيل إن بين مكة واليمن شجرة قبيحة منتنة تسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها وقيل أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها أي من ثمرها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً أي خلطا ومزاجا مِنْ حَمِيمٍ أي من ماء شديد الحرارة يقال إنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا عليه الحميم شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا لهم ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وذلك أنهم يردون إلى الجحيم بعد شراب الحميم إِنَّهُمْ أَلْفَوْا أي وجدوا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ أي يسرعون وقيل يعملون مثل عملهم وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ أي من الأمم الخالية وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أي وأرسلنا فيهم رسلا منذرين فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أي الكافرين وكانت عاقبتهم العذاب إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي الموحدين نجوا من العذاب والمعنى انظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله المخلصين. قوله عز وجل:
[سورة الصافات (37): الآيات 75 الى 91]
وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91)
وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ أي دعا ربه على قومه وقيل دعا ربه أن ينجيه من الغرق فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ نحن أي دعانا فأجبناه وأهلكنا قومه وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الغم الذي لحق قومه وهو الغرق وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يعني أن الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام قال ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم، عن سمرة بن جندب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله عز وجل وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ قال «هم سام وحام ويافث» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي رواية أخرى سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم وقيل سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ أي أبقينا له حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ أي سلام عليه منا في العالمين وقيل
الصفحة 20
512