كتاب تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (اسم الجزء: 4)

ذهب به ليحتطب من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك قال إنه يزعم أن الله أمره بذلك قالت إن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه. فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على أثر أبيه فقال له يا غلام هل تدري أن يذهب بك أبوك قال نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال لا والله ما يريد إلا أن يذبحك قال، ولم قال إن ربه أمره بذلك قال فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة فلما امتنع الغلام أقبل على إبراهيم فقال له أين تريد أيها الشيخ قال هذا الشعب لحاجة لي فيه قال والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال إليك عني يا عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد وامتنعوا منه بعون الله تعالى وروى عن ابن عباس أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل وهو قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.

[سورة الصافات (37): الآيات 104 الى 106]
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)
وَنادَيْناهُ أي فنودي من الجبل أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي حصل المقصود من تلك الرؤيا حيث ظهر منه كمال الطاعة والانقياد لأمر الله تعالى وكذلك الولد.
فإن قلت كيف قيل قد صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح وإنما كان تصديقها لو حصل منه الذبح.
قلت جعله مصدقا لأنه بذل وسعه ومجهوده وأتى بما أمكنه وفعل ما يفعله الذابح فقد حصل المطلوب وهو إسلامهما لأمر الله تعالى وانقيادهما لذلك، فلذلك قال له قد صدقت الرؤيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ولده والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي المحسنين في طاعتنا إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ولده.

[سورة الصافات (37): الآيات 107 الى 116]
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قيل نظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء ابنك فاذبحه دونه فكبر إبراهيم وكبر جبريل وكبر الكبش، فأخذه إبراهيم وأتى به المنحر من منى فذبحه قال أكثر المفسرين كان هذا الذبح كبشا رعى في الجنة أربعين خريفا وقال ابن عباس الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم قيل حق له أن يكون عظيما وقد تقبل مرتين وقيل سمي عظيما لأنه من عند الله تعالى. وقيل لعظمه في الثواب وقيل لعظمه وسمنه وقال الحسن ما فدى إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ أي تركنا له ثناء حسنا فيمن بعده سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ قوله تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ أي بوجود إسحاق وهذا على قول من يقول إن الذبيح هو إسماعيل ومعناه أنه بشر بإسحاق بعد هذه القصة جزاء لطاعته وصبره ومن جعل الذبيح هو إسحاق قال معنى الآية

الصفحة 24