كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 4)

فلما أصبح غدا يستدل عَلَيْهِ حَتَّى جاءه، فَقَالَ: قدمت هَذَا البلد وَلَمْ تنزل بنا، وَلَمْ تر أَن تعلمنا بمكانك فيكون منزلك عندنا علي، وعلي إِن كَانَ لَكَ منزل إلا عندي، قَالَ: نعم نتحول إليك الليلة أَوْ فِي غد. فلما ولى/ قَالَ عروة لأهله: قَدْ كَانَ مَا ترون، وإن أنتم لَمْ تخرجوا معي لأركبن رأسي ولألحقن بقومكم فليس علي بأس. فارتحلوا وركبوا طريقهم ونكس عروة ولم يزل مدنفا حَتَّى نزلوا وادي القرى.
وَفِي رواية أُخْرَى: أَن حزاما هلك وترك ابنه عروة صغيرا فِي حجر عمه عقال بْن مهاصر، وكانت عفراء تربا لعروة يلعبان جميعا ويكونان معا حَتَّى [ألف كُل واحد منهما] ألفا شديدًا، وَكَانَ عقال يَقُول لعروة لما يرى من الفهما: أبشر، فَإِن عفراء امرأتك إِن شاء اللَّه، وكانا كذلك حَتَّى بلغا، فأتى عروة عمة لَهُ يقال لَهَا هند بنت مهاصر، فشكى إِلَيْهَا مَا بِهِ من حب عفراء، وَقَالَ لَهَا: يا عمة إني لأكلمك وأنا مستحي منك، وَلَمْ أفعل هَذَا حَتَّى ضقت ذرعا بِمَا أنا فِيهِ، فذهبت عمته إِلَى أخيها، فقالت: يا أخي قَدْ أتيتك فِي حاجة أحب أَن تحسن قضاءها، فَإِن اللَّه يؤجرك بصلة رحمك، قَالَ: إِن تسأليني لا أردك فِيهَا، قالت: تزوج عروة ابْن أخيك بابنتك عفراء، فَقَالَ: مَا عَنْهُ مذهب، ولا بنا عَنْهُ رغبة، ولكنه لَيْسَ بذي مال، وليست عَلَيْهِ عجلة، فسكت عروة بَعْض السكوت، وكانت أمها لا تريد إلا ذا مال، فعرف عروة أَن رجلا ذا مال قَدْ خطبها، فأتى عمه، فَقَالَ: يا عم، قَدْ عرفت حقي وقرابتي، وإني ربيت فِي حجرك، وَقَدْ بلغني أَن رجلا يخطب عفراء فَإِن أسعفته بطلبتي قتلتني وسفكت دمي، فأنشدك اللَّه ورحمي وحقي، فرق لَهُ، وَقَالَ: يا بَنِي، أَنْتَ معدم، وأمها قَدْ أبت أَن تخرجها إلا/ بمهر غال، فاضطرب واسترزق اللَّه.
فجاء إِلَى أمها ولاطفها وداراها فأبت إلا بِمَا تحتكم من المهر، فعمل عَلَى قصد ابْن عم لَهُ موسر باليمن، فجاء إِلَى عمه وامرأته فأخبرهما بقصده وعزمه، فصوباه ووعداه ألا يحدثا حدثا حَتَّى يعود.
وودع عفراء والحي، وصحبه فتيان كانا يألفانه، وَكَانَ طول سفره ساهيا حَتَّى قدم عَلَى ابْن عمه فعرفه حاله، فوصله وكساه وأعطاه مائة من الإبل، فانصرف بها، وَقَدْ كَانَ رجل من أَهْل الشَّام قَدْ نزل فِي حي عفراء، فنحر وأطعم ورأى عفراء فأعجبته، فخطبها

الصفحة 354