كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 4)

إِلى أبيها فاعتذر إِلَيْهِ وَقَالَ: قَدْ سميتها باسم ابْن أخي، فَمَا لغيره إِلَيْهَا سبيل، فَقَالَ لَهُ:
إني أرغبك فِي المهر، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي ذَلِكَ، فعدل إِلَى أمها فوافق عندها قبولا ورغبة فِي المال، فجاءت إِلَى زوجها، فقالت: وأي خير فِي عروة حَتَّى تحبس ابنتي عَلَيْهِ، والله مَا تدري أعروة حي أم ميت، وهل ينقلب إليك بخير أم لا، فتكون قَدْ حرمت ابنتك خيرا حاضرا، فلم تزل بِهِ حَتَّى قَالَ: إِن عاودني خاطبها أجبته، فوجهت إِلَيْهِ: أعد غدا خاطبا، فنحر جزورا وأطعم ووهب وجمع الحي عَلَى طعامه وفيهم أَبُو عفراء، وأعاد الخطبة فزوجه وحولت عفراء إِلَيْهِ، فَقَالَ قبل أَن يدخل بها: يا عروة إِن الحي قَدْ نقضوا عهد اللَّه وحاولوا الغدران.
ثُمَّ دَخَلَ بها زوجها وأقام فيهم ثلاثا ثُمَّ ارتحل إِلَى الشام، وعمد أبوها إِلَى قبر عتيق، فجدده وسواه، وسأل أَهْل الحي كتمان أمرها، وقدم عروة بَعْد أَيَّام، فنعاها أبوها إِلَيْهِ وذهب بِهِ إِلَى ذَلِكَ القبر، وَكَانَ يختلف إِلَيْهَا أياما حَتَّى أخبرته جارية/ من الحي الْخَبَر، فركب بَعْض إبله فدخل الشام فنزل عَلَى الرجل وَهُوَ لا يعرفه، فأكرمه، فَقَالَ لجارية لهم: هل لَكَ فِي يد تولينيها؟ قالت: نعم، قَالَ: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك، فقالت: سوءة لك، أما تستحي من هذا القول، فأمسك ثُمَّ أعاد عَلَيْهَا، وَقَالَ: ويحك هِيَ والله بنت عمي، فاطرحي هَذَا الخاتم فِي صبوحها فَإِن أنكرت عليك فقولي: اصطبح ضيفنا قبلك ولعله سقط منه، فرقت الأمة وفعلت، فلما رأت عفراء الخاتم قالت:
أصدقيني فأصدقتها، فلما جاء زوجها قالت: أتدري من ضيفك؟ إنّه عروة بْن حزام، وَقَدْ كتم نَفْسه حياء منك، فبعث إِلَيْهِ وعاتبه عَلَى كتمانه نَفْسه، وَقَالَ لَهُ: بالرحب والسعة نشدتك اللَّه إِن رمت هَذَا المكان أبدا، وخرج وتركه مَعَ عفراء يتحدثان، وأوصى خادما لَهُ بالاستماع عليهما وإعادة مَا يسمعه منهما.
فلما خليا تشاكيا مَا وجدا من الفراق وطالت الشكوى وَهُوَ يبكي أحر بكاء، ثُمَّ أتته بشراب وسألته أَن يشربه، فَقَالَ: والله مَا دَخَلَ جوفي حرام قط، ولا ارتكبته منذ كنت، ولو استحللت حراما كنت قَدِ استحللته منك وأنت حظي من الدنيا وَقَدْ ذهبت مني وذهبت منك، فَمَا أعيش بعدك، وَقَدْ أجمل هَذَا الرجل الكرم وأحسن، وأنا أستحي منه، وو الله لا أقيم بَعْد علمه بمكاني، وإني لعالم أني أرحل إِلَى منيتي. فبكت وبكى وانصرف.

الصفحة 355