كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)
التعديد أو كان معناه أنا الله أرى فقوله: كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف أي هذا الكتاب.
والإشارة إما إلى هذا البعض وإما إلى مجموع القرآن. ومعنى أُحْكِمَتْ نظمت نظما رصينا من غير نقض ونقص، أو جعلت حكيمة من حكم بالضم إذا صار حكيما، أو منعت من الفساد والبطلان من قولهم: أحكمت الدابة وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. أي لم ينسخ بكتاب سواه كما نسخ سائر الكتب وذلك لاشتماله على العلوم النظرية والعلمية والظاهرية والباطنية وعلى أصول جميع الشرائع، فلا محالة لا يتطرق إليه تبديل وتغيير. ثُمَّ فُصِّلَتْ كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص، لكل معنى من هذه المعاني فصل انفرد به. أو جعلت فصولا سورة سورة وآية وآية، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة، أو فصل فيها تكاليف العباد وبين ما يحتاجون إليه في إصلاح المعاش والمعاد. ومعنى «ثم» التراخي في الحال كقولك: فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل. وأُحْكِمَتْ صفة كتاب. ومِنْ لَدُنْ صفة ثانية أو خبر بعد خبر أو صلة لأحكمت وفصلت أي من عنده إحكامها وتفصيلها. وفي قوله: حَكِيمٍ خَبِيرٍ لف ونشر لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور. احتج الجبائي بقوله: أُحْكِمَتْ ثُمَّ فُصِّلَتْ على كون القرآن محدثا لأن الإحكام والتفصيل يكون بجعل جاعل، وكذا بقوله: مِنْ لَدُنْ لأن القديم لا يصدر من القديم. وأجيب بأنه لا نزاع في حدوث الأصوات والحروف وإنما النزاع في الكلام النفسي. وقوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ مفعول له أي لأجل ذلك أو يكون «أن» مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول كأنه قيل: ثم قيل للنبي صلى الله عليه وسلم قل لهم لا تعبدوا. وجوز في الكشاف أن يكون كلاما مبتدأ منطقعا عما قبله محكيا على لسان النبي صلّى الله عليه وسلّم يغري أمته على اختصاص الله بالعبادة كأنه قال: ترك عبادة غير الله مثل فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4] والضمير في مِنْهُ لله عز وجل حالا من نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أي إنني لكم نذير من جهته إن لم تخصوه بالتعبد، وبشير إن خصصتموه بذلك. ويجوز أن يكون مِنْهُ صلة لنذير أي أنذركم منه ومن عذابه، ويكون صلة بشير محذوفا أي أبشركم بثوابه. ثم عطف على قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا قوله: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا أي اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم. ثم بين الشيء الذي به يطلب ذلك وهو التوبة فقال: ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فالتوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار، وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب، فلهذا قدم الاستغفار على التوبة. وقيل: استغفروا أي توبوا ثم قال: تُوبُوا أي أخلصوا التوبة واستقيموا عليها. وقيل: استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من أنف الذنوب. وقيل:
استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة. وقيل: الاستغفار أن يطلب من الله الإعانة في
الصفحة 5
589