كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)

يعني أنا أطلب منه الماهية وهو يشرح الوجود فدل على أنه اعترف بأصل الوجود.
وأيضا إن ملك فرعون لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام لأن موسى لما هرب إلى مدين قال له شعيب لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25] فكيف يعتقد مثل هذا الشخص إنه إله العالم بل كل عاقل مكلف يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم فلا يكون واجب الوجود. وأيضا إنه سأل هاهنا بمن طالبا للكيفية، وفي «الشعراء» بما طالبا للماهية فكأن موسى لما أقام الدلالة على الوجود ترك المناظرة والمنازعة معه في هذا المقام لظهوره وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر. وأيضا إنه قال في الجواب رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ وصلة الذي لا بد أن تكون جملة معلومة الانتساب. ومن الناس من قال: إنه كان جاهلا بالله بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السموات والأرض وما فيهما. فمنهم من قال: إنه كان دهريا نافيا للمؤثر أصلا. ومنهم من قال: إنه فلسفي قائل بالعلة الموجبة أو هو من عبدة الكواكب، أو من الحلولية والمجسمة. وأم ادعاء الالهية والربوبية فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد لحكمه. قال بعض العلماء: إنما قال فَمَنْ رَبُّكُما [طه: 49] ولم يقل «فمن إلهكما» تعريضا بأنه رب موسى كما قال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً [الشعراء: 18] قلت: يحتمل أن يكون تخصيص موسى بالنداء تنبيها على هذا المعنى. ولم يعلم الكافر أن الربوبية التي أدعاها موسى لله في قوله إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ غير هذه في الحقيقة ولا مشاركة بينهما إلا في اللفظ، وهذا كما عارض نمرود إبراهيم صلوات الرحمن عليه في قوله أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: 258] ولم يعلم أن إحياءه وإماتته ليسا من الإحياء والإماتة في شيء ثم شرع موسى، في الدلالة على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات، وفيه دلالة على أن موسى كان أصلا في النبوة وأن هارون راعى الأدب فلم يشتغل بالجواب قبله لأن الأصل في النبوة هو موسى، ولأن فرعون خصص موسى بالنداء. من قرأ خلقه بسكون اللام فإما بمعنى الخليقة أي أعطى الخلائق ما به قوامهم من المطعوم والمشروب والملبوس والمنكوح، ثم هداهم إلى كيفية الانتفاع بها فيستخرجون الحديد من الجبال واللآلئ من البحار ويركبون الأغذية والأدوية والأسلحة والأمتعة ونظير هذا الكلام قوله الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الأعلى: 2، 3] وقوله حكاية عن إبراهيم الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء: 78] وإما أن يكون الخلق بمعنى الصورة والشكل أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به فأعطى العين هيئتها التي تطابق الإبصار، والأذن

الصفحة 550