كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)

في الآخرة وفي جهنم، وأن طعامهم فيها الضريع والزقوم والحميم والغسلين، فلا يموتون فيها ولا يحيون.
أما قوله: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى كقوله: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه: 102] فيمن فسر الزرق بالعمى وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً [الإسراء: 97] وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى [الإسراء: 72] قال الجبائي: أراد أنه لا يهتدي يوم القيامة إلى طريق ينال منه خيرا كالأعمى. وعن مجاهد والضحاك ومقاتل أنه أراد أعمى عن الحجة وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال القاضي: هذا القول ضعيف لأنه لا بد في القيامة أن يعلمهم الله تعالى بطلان ما كانوا عليه بتمييزه لهم الحق من الباطل، ومن هذه حاله لا يوصف بذلك إلا مجازا باعتبار ما كان، لكن قوله: وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ينافيه. قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله: ومما يؤكد هذا الاعتراض أنه تعالى علل ذلك العمى بما أن المكلف نسي الدلائل في الدنيا، فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر كما في الدنيا. قال: والتحقيق في الجواب عن الاعتراض هو أن النفوس الجاهلة في الدنيا إذا فارقت أبدانها تبقى على جهالتها في الآخرة فتصير تلك الجهالة سببا لأعظم الآلام الروحانية. وأقول على القاضي: يحتمل أن يكون مجازا باعتبار الغاية. فقد ينفي الشيء باعتبار عدم غايته وثمرته فلا ينافي كونه أعمى في الآخرة بهذا الاعتبار إعلام الله تعالى إياه الحجة، ولا كونه بصيرا في الدنيا كونه أعمى في الآخرة بالاعتبار المذكور لأن المعرض عن الدليل يشبه أن يكون كافرا معاندا، ويكون الغرض من الإعلام التوبيخ والإلزام يؤيده قوله تعالى في جوابه: كَذلِكَ أي مثل ذلك فعلت أنت. ثم فسر ذلك بقوله: أَتَتْكَ آياتُنا أي دلائلنا واضحة مستنيرة فَنَسِيتَها أي تركت العمل بها والقيام بموجبها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى تترك بلا فائدة النظر والاعتبار. وعلى الإمام الرازي: إنه لا يلزم من كون المكلف غير متضرر بنسيان الدلائل في الدنيا كونه غير متضرر به في الآخرة.
وأما قوله في الجواب المحقق بناء على قاعدة الحكيم إن جهل النفس يصير سببا لتعذيبها فإن كان منعا لقول المعتزلة إنه تعالى يعلم المكلف بطلان ما كان عليه في الدنيا فذاك لا يفتقر إلى العدول، وإن كان تسليما لقولهم فمن أين يتحمل الاعتراض هذا وقد رأيت في بعض الآثار أن أشد الناس عمى يوم القيامة هم الذين حفظوا القرآن ثم نسوه. دليله قوله تعالى: أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها اللهم اجعلني ممن يواظب على تلاوة كتابك حتى لا أنساه يوم ألقاك. وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ قيل: عصى ربه. والأظهر أنه أراد أشرك وكفر

الصفحة 580