كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)

بدليل قوله: وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ وهو الحشر على العمى أَشَدُّ وَأَبْقى من ضيق المعيشة في العاجل أو أراد، وتركنا إياه في العمى أشد وأبقى من تركه لآياتنا.
ثم وبخ المعرضين عن الدلائل بعدم الاعتبار بأحوال القرون الخالية فقال: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ بالفاء وفي السجدة بالواو، لأن الكلام هاهنا كالمتصل بقوله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي وهناك كالمنفصل عن الإعراض لأنه قال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [السجدة: 22] . وبعد ذلك أورد قصة موسى فناسب الاستئناف بالواو، وأما حذف من هاهنا وإثباته هنالك فلما مر من أن «من» تفيد الاستيعاب وهنالك قد زاد في القرون بشرح قصة بني إسرائيل وما فيهم من الملوك والأنبياء. قال في الكشاف:
فاعل: أَفَلَمْ يَهْدِ الجملة بعده. وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجملة لا تقع فاعلا فلهذا قال: يريد أو لم يهد لهم هذا المعنى أو مضمون هذا الكلام. قال القفال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم. وقال الزجاج: أراد أو لم نبين لهم ما يهدون به لو تدبروا وتأملوا. وقيل: فيه ضمير الله أو الرسول والجملة بعده تفسره يريد أن قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود ويمشون في مساكنهم ويعاينون آثار هلاكهم. والنهى العقول وقد مر في السورة. قال بعض أهل اللغة: إن للنبيه مزية على العقل فلا يقال إلا لمن له عقل ينتهي به عن القبائح فقوله: لِأُولِي النُّهى كقوله: أُولُوا الْعَزْمِ [الأحقاف: 35] والحزم ومن هذا فسره بعضهم بأهل الورع والتقوى.
ثم بين الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على من كذب من هذه الأمة فقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة كتبها في اللوح المحفوظ وأخبر بها ملائكته ورسله لأن فيهم أو في نسلهم من يؤمن، أو لمصلحة أخرى خفية. قال أهل السنة: إنه بحكم المالكية له أن يفعل ما يشاء من غير علة. واللزام مصدر لازم وصف به.
وقيل: فعال لما يفعل به فهو بمعنى ملزم كأنه آلة اللزوم أي لَكانَ الأخذ العاجل لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى وهو عذاب الآخرة. وقيل: يوم بدر معطوف على كَلِمَةٌ وجوز في الكشاف أن يكون معطوفا على الضمير في كان. ولعله إنما جوز ذلك للفصل أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل. وحين بين أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر على ما يقولون من التكذيب وسائر الأذيات. زعم الكلبي ومقاتل أنها منسوخة بآية القتال وليس بذاك فإن كلا منهما معمول بها في موضعها وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي متلبسا بحمده على

الصفحة 581