كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)

على تضمين متعنا بمعنى خولنا وأعطينا، أو على إبداله من محل بِهِ أو على إبداله من أَزْواجاً والتقدير ذوي زهرة وهي الزينة والبهجة. ومن قرأ بفتح الهاء فبمعناها أيضا أو هي جمع زاهر كأنهم لصفاء ألوانهم وظهور آثار النعومة عليهم زاهر وهذه الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون الصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب. وقوله: لِنَفْتِنَهُمْ أي لنبلوهم كقوله: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ [الكهف: 7] وقيل:
لنعذبهم كقوله: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ [التوبة: 55] .
وقال الكلبي ومقاتل: لنشدد عليهم في التكليف لأن الاجتناب عن المعاصي مع القدرة يكون أشق على النفس. وَرِزْقُ رَبِّكَ هو ثواب الآخرة أو ما رزقت من الإسلام والنبوّة خَيْرٌ وَأَبْقى وقيل: أراد به الحلال الطيب الذي يحق أن ينسب إلى ربك خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة. وَأْمُرْ أَهْلَكَ في سورة مريم وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ [الآية: 55] أي أقبل أنت مع أهلك على عبادة الله. ومن السلف من كان إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا بهذا أمر الله رسوله ثم يتلو هذه الآية. وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية. ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعليّ كل صباح ويقول: الصلاة وكان يفعل ذلك شهرا.
وقوله: وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أراد أنك كما تأمرهم بها فحافظ عليها فإن الوعظ بلسان الفعل أثم منه بلسان القول لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً كما يريد الملوك خراجا من رعيتهم والسادة خرجا من عبيدهم بل نَحْنُ نَرْزُقُكَ كقوله: وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 57- 58] والحاصل أنا إنما أمرناك بالصلاة فذلك لأجل انتفاعك بثوابها لا لأنا ننتفع بها. وقيل: لا نسألك رزقا لنفسك ولا لأهلك بل نحن نرزقك وإياهم فلا تهتم بأمر الرزق والمعيشة وفرغ بالك لأمر الآخرة وفي معناه قولهم «من كان في عمل الله كان الله في عمله» . وقال أهل الإشارة وَرِزْقُ رَبِّكَ رمز إلى
قوله «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» «1»
قال عبد الله بن سلام: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة أمرهم بالصلاة.
وَالْعاقِبَةُ أي الجميلة لِلتَّقْوى.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التمني باب: 9. مسلم في كتاب الصيام حديث 57. الموطأ في كتاب الصيام حديث 58. أحمد في مسنده (3/ 8) .

الصفحة 583