كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 4)

ثم عاد إلى قوله: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ فحكى واحدة من شبهاتهم هي قولهم:
لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ كأنهم لم يتعدّوا بالقرآن الذي أخرس شقاشقهم فرد الله عليهم بقوله: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى لأن القرآن برهان سائر الكتب المنزلة لأنه معجز دونها فهو شاهد لها بالصحة وأنها من عند الله. وقيل: أراد بالبينة ما فيها من بشارة مقدم محمد صلى الله عليه وسلم. وعن ابن جرير أنه ما رأوا فيها من قصص الأمم المكذبة وبيان إهلاكهم بعد اقتراح الآيات وإنما أتاهم هذا البيان في القرآن فلهذا وصف القرآن بكونه بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى ثم بين الحكمة في نزول القرآن فقال: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل البرهان المذكور الدال عليه البينة لَقالُوا أي في القيامة لأن الهالك لا قول له في الدنيا.
وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة يقول لم يأتني رسول وإلا كنت أطوع خلقك» وتلا قوله: «لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لي عقلا أنتفع به. ويقول الصبي: كنت صغيرا أعقل. فيرفع لهم نار ويقال لهم ادخلوها فيدخلها من كان في عالم الله أنه سعيد ويتلكأ من كان في علمه أنه شقى. فيقول الله تعالى: عصيتم اليوم فكيف برسولي لو أتاكم؟!» .
وطعن المعتزلة في هذا الخبر قالوا: لا يحسن العقاب على ما لم يفعل. وقال الجبائي: في الآية دلالة على وجوب فعل اللطف والمراد أنه يجيب أن يفعل بالمكلفين ما يؤمنون عنده وإلا كان لهم أن يقولوا: هلا فعلت ذلك بنا لنؤمن. وقال الكعبي: فيها أوضح دليل على أنه تعالى يقبل الاحتجاج من عباده. وليس معنى قوله: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء: 23] أن الجور منه يكون عدلا بل تأويله أنه لا يقع منه إلا العدل. وإذا ثبت أنه تعالى يقبل الحجة فلو لم يكونوا قادرين على ما أمروا به لكان لهم فيه أعظم حجة. واستدل أهل السنة بها على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشرع وإلا لكان العقاب حاصلا قبل مجيئه. ثم ختم السورة بوعيد إجمالي فقال: قُلْ كُلٌّ أي كل منا ومنكم مُتَرَبِّصٌ عاقبة أمره وهذا الانتظار إما قبل الموت بسبب الأمر بالجهاد أو ظهور الدولة والغلبة، أو بالموت فإن كان واحد من الخصمين ينتظر موت صاحبه، وإما بعد الموت وهو ظهور أثر الثواب والعقاب وتمييز المحق والمبطل ويؤيده قوله: فَسَتَعْلَمُونَ إلى آخره وهذا من كلام المنصف وبالله المستعان. (تم) .
تم الجزء السادس عشر وبه يتم المجلد الرابع من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للعلامة نظام الدين النيسابوري، ويليه المجلد الخامس، وأوله تفسير سورة الأنبياء

الصفحة 584