كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 4)

@ 36 @
ففعلوا ذلك وأخذ ابن الاشتر أسفل قبائه فأدخله في منطقته وكان القباء على الدرع فلم يلبثوا حين حمل عليهم أن انهزموا يركب بعضهم بعضا على أفواه السكك وازدحموا وانتهى ابن الاشتر إلى ابن مساحق فأخذ بعنان دابته ورفع السيف عليه فقال له يا ابن الاشتر انشدك الله هل بيني وبينك من إحنة أو تطلبني بثأر فخلى سبيله وقال اذكرها فكان يذكرها له ودخلوا الكناسة في آثارهم حتى دخلوا السوق والمسجد وحصروا ابن مطيع ومعه الاشراف من الناس غير عمرو بن حريث فإنه أتى داره ثم خرج إلى البر وجاء المختار حتى نزل جانب السوق وولى ابراهيم حصار القصر ومعه يزيد بن أنس وأحمر بن شميط فحصروهم ثلاثا فاشتد الحصار عليهم فقال شبث لابن مطيع انظر لنفسك ولمن معك فوالله ما عندهم غنى عنك ولا عن أنفسهم فقال أشيروا علي فقال شبث الرأي أن تأخذ لنفسك ولنا أمانا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك فقال ابن مطيع إني لأكره أن آخذ منه أمانا والأمور لأمير المؤمنين مستقيمة بالحجاز والبصرة قال فتخرج ولا يشعر بك أحد فتنزل بالكوفة عند من تثق إليه حتى تلحق بصاحبك وأشار بذلك عبد الرحمن بن سعيد وأسماء بنت خارجة وابن مخنف وأشراف الكوفة فأقام حتى أمسى وقال لهم قد علمت أن الذين صنعوا هذا بكم أنهم أرذلكم وأخسؤكم وإن أشرافكم وأهل الفضل منكم سامعون مطيعون وأنا مبلغ ذلك صاحبي ومعلمه طاعتكم وجهادكم حتى كان الله الغالب على أمره فأثنوا عليه خيرا وخرج عنهم وأتى دار أبي موسى فجاء ابن الأشتر ونزل القصر ففتح أصحابه الباب وقالوا ياابن الأشتر آمنون نحن قال أنتم آمنون فخرجوا فبايعوا المختار ودخل المختار القصر فبات فيه وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر
وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى فقال الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر وجعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا وقضاءا مقضيا وقد خاب من افترى أيهاالناس إنا رفعت لنا راية ومدت لنا غاية فقيل لنا في الراية أن ارفعوها وفي الغاية أن اجروا إليها فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي فكم من ناع وناعية لقتلى في الواعية وبعدا لمن طغى وأدبر وأعصى وكذب وتولى ألا فادخلوا أيها الناس وبايعوا بيعة هدى فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا والأرض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب وآل علي أهدى منها ثم نزل ودخل عليه أشراف الكوفة فبايعوه على كتاب الله وسنة رسول الله والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا وكان ممن بايعه المنذر بن حسان وابنه حسان فلما خرجا من عنده استقبلهما سعيد بن منقذ الثوري في جماعة من الشيعة فلما رأوهما قالوا هذان والله من رؤوس الجبارين فقتلوا المنذر وابنه حسان فنهاهم سعيد حتى يأخذوا أمر المختار فلم ينتهوا فلما سمع المختار ذلك كرهه وأقبل المختار يمني الناس ويستجر مودة الأشراف ويحسن السيرة وقيل له أن ابن مطيع في دار أبي موسى فسكت فلما أمسى بعث له بمائة ألف درهم وقال تجهز بهذه فقد علمت مكانك وأنك لم يمنعك من الخروج إلا عدم النفقة وكان بينهما صداقة ووجد المختار في بيت المال تسعة آلاف ألف فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر وهم ثلاثة وخمسمائة لكل رجل منهم خمسمائة درهم وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعدما أحاط بالقصر وأقاموا معه تلك الليلة وتلك الأيام الثلاثة مائتين مائتين واستقبل الناس بخير وجعل الأشراف جلساءه وجعل على شرطته عبد الله بن كامل الشاكري وعلى حرسه كيسان أبا عمرة فقام أبو عمرة على رأسه ذات يوم وهو مقبل على الأشراف بحديثه ووجهه فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالي أما ترى أبا اسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا فسأله المختار عما قالوا له فأخبره فقال قل لهم لا يشق عليهم ذلك فأنتم مني وأن منكم وسكت طويلا ثم قرأ { إنا من المجرمين منتقمون } فلما سمعوها قال بعضهم لبعض ابشروا كأنكم والله قد قاتلتم يعني الرؤساء
وكان أول راية عقدها المختار لعبد الله بن الحرث أخي الأشتر على أرمينية وبعث محمد بن عمير بن عطارد على أذربيجان وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل وبعث اسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخى وبعث قدامة بن أبي عيسى بن زمعة النصري حليف ثقيف على بهقباذ الأعلى وبعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط وبعث سعد بن خذيفة بن اليمان على حلوان وأمره بقتال الأكراد وإقامة الطرق وكان ابن الزبير قد استعمل على الموصل محمد بن الأشعث بن قيس فلما ولي المختار وبعث عبد الرحمن به سعيد إلى

الصفحة 36