@ 485 @
العباس انا لله خدعة من خدع الشيطان هلك بنو مروان فتفرق الناس عن الوليد وأتوا العباس وعبد العزيز وأرسل الوليد إلى عبد العزيز يبذل له خمسين ألف دينار وولاية حمص ما بقي ويؤمنه من كل حدث على أن ينصرف عن قتاله فأبى ولم يجبه فظاهر الوليد بين درعين وأتوه بفرسيه السندي والراية فقاتلهم قتالا شديدا فناداهم رجل اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط ارجموه بالحجارة فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق عليه الباب وقال
(دعوا لي سلمى والطلاء وقينة ... وكأسا ألا حسبي بذلك مالا)
(إذا ما صفا عيشي برملة عالج ... وعانقت سلمى ما أريد بدالا)
(خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم ... ثباتا يساوي ما حييت عقالا)
(وخلوا عناني قبل عير وما جرى ... ولا تحسدوني أن أموت هزالا)
فلما دخل القصر وأغلق الباب أحاط به عبد العزيز فدنا الوليد من الباب وقال أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه قال يزيد بن عنبسة السكسكي كلمني قال يا أخا السكاسك ألم أزد في أعطياتكم ألم أرفع المؤن عنكم ألم أعط فقراءكم ألم أخدم زمناكم فقال إنا ما ننقم عليك في أنفسنا إنما ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح امهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد أكثرت وأغرقت وإن فيما أحل الله سعة عما ذكرت ورجع إلى الدار وجلس واخذ مصحفا فنشره يقرأ فيه وقال يوم كيوم عثمان فصعدوا على الحائط وكان أول من علاه يزيد بن عنبسة فنزل غليه فأخذه بيده وهو يريد أن يحبسه ويؤامره فيه فنزل من الحائط عشرة منهم منصور بن جمهور وعبد السلام اللخمي فضربه عبد السلام على رأسه وضربه السندي بن زياد بن أبي كبشة في وجهه واحتزوا رأسه وسيروه إلى يزيد فأتاه الرأس وهو يتغدى بالمسجد وحكى له يزيد بن عنبسة ما قاله للوليد قال آخر كلامه الله لا يرتق فتقكم ولا يلم شعثكم ولا يجمع كلمتكم فأمر يزيد بنصب رأسه فقال له يزيد بن فروة مولى بني مرة إنما تنصب رؤوس الخوارج وهذا ابن عمك وخليفة ولا آمن إن نصبته أن ترق له قلوب الناس
@ 485 @
ويغضب له أهل بيته فلم يسمع منه ونصبه على رمح فطاف به بدمشق ثم أمر به أن يدفع إلى أخيه سليمان بن يزيد فلما نظر إليه سليمان قال بعدا له اشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا ولقد أرادني في نفسي الفاسق وكان سليمان ممن سعى في أمره وكان مع الوليد مالك بن أبي السمح المغني وعمرو الوادي المغني أيضا فلما تفرق عن الوليد أصحابه وحصر قال مالك لعمرو اذهب بنا فقال عمرو ليس هذا من الوفاء نحن لا يعرض لنا لأنا لسنا ممن يقاتل فقال مالك والله لئن ظفروا بك وبي لا يقتل احد قبلي وقبلك فيوضع رأسه بين رأسينا ويقال للناس انظروا من كان معه في هذا الحال فلا يعيبونه بشيء أشد من هذا فهربا وكان قتله لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر وقيل سنة وشهرين واثنتين وعشرين يوما وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وقيل قتل وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وقيل إحدى وأربعين سنة وقيل ست وأربعين سنة
$ ذكر نسب الوليد وبعض سيرته $
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي يكنى ابا العباس وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي وهي بنت أخي الحجاج بن يوسف وأم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز وأم عامر بن كريز أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب فلذلك يقول الوليد
(نبي الهدى خالي ومن يك خاله ... نبي الهدى يقهر به من يفاخره)
وكان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم واجوادهم وأشدائهم منهمكا في اللهو والشرب وسماع الغناء فظهر ذلك من أمره فقتل ومن جيد شعره ما قاله لما بلغه أن هشاما يريد خلعه
(كفرت يدا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن)
وقد تقدمت الأبيات الأربعة وأشعاره حسنة في الغزل والعتاب ووصف الخمر وغير ذلك وقد أخذ الشعراء معانيه في وصف الخمر فسرقوها وأدخلوها في أشعارهم وخاصة أبو نواس فانه أكثرهم أخذا لها قال الوليد المحبة للغناء تزيد في