كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 4)

يرغبوا فيه (¬1).
ومن طرائف ما تحمّلوه من المشاقّ في طلب الحديث:
ما ذكره في "تهذيب التهذيب" في ترجمة يعقوب بن سفيان الحافظ الجوّال رحمه الله كان ممن جَمَع وصنَّف، مع الورع والنسك والصلابة في السنة، قال الحاكم: فأما سماعه ورحلته وأفراد حديثه فأكثر من أن يمكن ذكرها، وقال محمد بن يزيد العطار: سمعت يعقوب بن سفيان يقول: كنت في رحلتي، فقلت نفقتي، فكنت أدمن الكتابة ليلًا، وأقرأ نهارًا، فلما كان ذات ليلة كنت جالسًا أنسخ في السراج، وكان شتاء، فنزل الماء في عيني، فلم أُبصر شيئًا، فبكيت على نفسي لانقطاعي عن بلدي، وعلى ما فاتني من العلم، فغلبتني عيناي، فنمت فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فناداني: يا يعقوب لم أنت بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري، فتحسرت على ما فاتني، فقال لي: ادْنُ مني، فدنوت منه، فَأَمَرَّ يده على عيني، كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت فأبصرت، فأخذت نسخي، وقعدت أكتب (¬2).
ومما نُقل عن الإمام يحيى بن معين رحمه الله ما ذكره ابن عديّ أن والد يحيى خلّف له ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفق ذلك كله على الحديث، وقال يحيى: قد كتبت بيدي ألف ألف حديث، وقال صالح جزرة: ذُكر لي أن يحيى بن معين خلّف من الكتب لمّا مات ثلاثين قِمَطْرًا، وعشرين حُبّا (¬3).
وعن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: بقيتُ بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطع نفقتي، فجعلت أبيع ثياب بدني شيئًا بعد شيء، حتى بقيتُ بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى
¬__________
(¬1) راجع "الكفاية" ص 401.
(¬2) راجع "تهذيب التهذيب" 11/ 338 - 339.
(¬3) راجع "تهذيب التهذيب" 11/ 280.

الصفحة 542