كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 4)

المشيخة، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي، ورجعت إلى بيتٍ خالٍ، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد، وغدا عليّ رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني، وانصرفت جائعًا، فلما كان من الغد غدا عليّ، فقال: مُرّ بنا إلى المشايخ، قلت: أنا ضعيف، لا يمكنني، قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طَعِمتُ فيهما شيئًا فقال لي: قد بقي معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكراء، فخرجنا من البصرة، وقبضت منه النصف دينار (¬1).
قال أبو عبد الله الحاكم في ترجمة الحافظ البارع الجوّال القدوة أبي عبد الله محمد ابن المسيب بن إسحاق بن عبد الله النيسابوريّ: ما نصّه: كان من العُبّاد المجتهدين وأحد من مشايخنا يذكرون عنه أنه قال: ما أعلم منبرًا من منابر الإسلام بقي عليّ، لم أدخله لسماع الحديث، وسمعت أبا إسحاق المزكي يقول: سمعت محمد بن المسيب يقول: كنت أمشي في مصر، وفي كمي مائة جزء في كل جزء ألف حديث، وسمعت أبا علي الحافظ يقول: كان محمد بن المسيب يمشي بمصر، وفي كمه مائة ألف حديث، كان دقيق الخط، وصار هذا كالمشهور من شأنه (¬2).
وكان محدث أصبهان الإمام الرحال الحافظ الثقة، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان الأصبهاني الخازن المشهور بابن المقرئ، صاحب المعجم الكبير، والأربعين حديثا المتوفّى سنة (381 هـ) يقول: طفت الشرق والغرب أربع مرات، ورُوي عنه أنه قال: مشيت بسبب نسخةِ مُفَضَّل بن فَضالة سبعين مرحلةً، ولو عُرضت علي خَبّاز برغيف لم يقبلها، وكان يقول: دخلت بيت المقدس عشر مرات (¬3).
¬__________
(¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" 1/ 363 - 364.
(¬2) "تذكرة الحفّاظ" 3/ 789 - 790.
(¬3) المصدر السابق 3/ 973 - 974.

الصفحة 543