كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 4)

ثم قال: قال عليّ بن المدينيّ في حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم. . .": هم أهل الحديث، والذين يتعاهدون مذاهب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويذبّون عن العلم، لولاهم لم تجد عند المعتزلة، والرافضة، والجهميّة شيئًا من السنن.
قال الخطيب رحمه الله: وقد جعل ربّ العالمين الطائفة المنصورة حُرّاس الدين، وصَرَف عنهم كيد المعاندين؛ لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآئار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، لا يعرّجون عنه إلى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولًا وفعلًا، وحَرَسوا سنته حفظًا ونقلًا، حتى ثبّتوا بذلك أصلها، وكانوا أحقّ بها، وأهلها، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذبّ بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفّاظ لأركانها، والقوّامون بأمرها وشأنها، إذا صُدِف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون.
انتهى المقصود من كلام الخطيب رحمه الله تعالى (¬1).
ومما كتبه العلامة الكبير الحافظ المفسّر الواعظ المشهور عبد الرحمن بن علي بن محمد المشهور بابن الجوزيّ المتوفّى سنة (597 هـ) في مدح العلم في كتابه "صيد الخاطر" قوله:
تأملتُ أحوال الناس في حالة علوّ شأنهم، فرأيت أكثر الخلق تبين خسارتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشباب، ومنهم من فرّط في اكتساب العلم، ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللذّات، فكلهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوى ضعُفت، أو فضيلة فاتت، فيُمضي زمان الكبر في حسرات، فإن كانت للشيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت قال: وأسفاه على ما جنيت،
¬__________
(¬1) "شرف أصحاب الحديث" ص 8 - 11.

الصفحة 551