كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 4)

فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلِرَبِّهَا قَسْمُ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فِيهَا فَأَبَى؛ فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَيْتَانِ، سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ انْتَهَى، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ.

(وَإِنْ غَرَسَ) غَاصِبٌ (أَوْ بَنَى فِيهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ - (أُخِذَ) ؛ أَيْ: أُلْزِمَ (بِقَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ) إذَا طَلَبَ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ» . وَالْعُمُّ الطِّوَالُ.
قَالَ أَحْمَدُ: (وَ) أُخِذَ الْغَاصِبُ أَيْضًا (بِتَسْوِيَتِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (وَأَرْشِ نَقْصِهَا) ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ كَغَيْرِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا) - أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ - مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا ذَهَبَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَالْأَعْيَانِ، (حَتَّى وَلَوْ كَانَ) الْغَاصِبُ (أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، (أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا، (لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) لِلتَّعَدِّي.
(وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ الْأَرْضِ (أَخْذَهُ) - أَيْ: الْبِنَاءَ أَوْ الْغِرَاسَ - مِنْ الْغَاصِبِ مَجَّانًا وَلَا (بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ، فَلَمْ يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ؛ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثْلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ، وَلِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَيْهَا وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ.

الصفحة 11