كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 4)

الْغَاصِبُ؛ رَجَعَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْأَجِيرِ.

(وَمَنْ حَفَرَ فِي) أَرْضٍ (مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا أَوْ شَقَّ) فِيهَا (نَهْرًا، وَوَضَعَ التُّرَابَ) الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ (بِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ - (فَلَهُ طَمُّهَا) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) ؛ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ تَالِفٍ بِهَا - أَيْ: الْبِئْرِ - أَوْ كَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ (تَالِفٍ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرَ - أَوْ لِكَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ، (وَ) لِلْغَاصِبِ حِينَئِذٍ (رَدُّ تُرَابِهَا مِنْ نَحْوِ مِلْكِهِ أَوْ طَرِيقٍ) نَقَلَهَا إلَيْهِ حَيْثُ بَقِيَ، فَلَوْ كَانَ بِسَيْلٍ أَوْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ الطَّمُّ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا بِرَمْلٍ وَكُنَاسَةٍ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَلَوْ أَنَّهُ أُبْرِئَ) ؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ (مِمَّا يَتْلَفُ بِهَا) - أَيْ: بِالْبِئْرِ وَنَحْوِهَا - لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةِ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ زَالَ التَّعَدِّي، فَيَزُولُ الضَّمَانُ، (وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ) مِمَّا يَتْلَفُ بِالْبِئْرِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَمَّنَةٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ؛ (لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ) مِنْ حَافِرِ الْبِئْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ (هُوَ التَّعَدِّي) مِنْهُ بِحَفْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا.
(وَ) السَّبَبُ (الثَّانِي) هُوَ (الْإِتْلَافُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ) الْبَرَاءَةُ (بَرَاءَةً مِمَّا سَيَجِبُ) ، وَإِنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْمَالِكِ عَنْ الْغَاصِبِ التَّعَدِّيَ بِرِضَاهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ طَمَّهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ رِضًى بِالْحَفْرِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إبْرَائِهِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا.
(وَ) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا أَوْ فِي مَوَاتٍ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا؛ (فَلَا

الصفحة 23